عيناه في ظهره كالطاووس. لا يرى، لا يريد أن يرى. ينظر ولا يرى، يسمع ولا
يفهم، مشغول بريشه المنفوخ أمام الأنثى.
والحياة أنثى جاهلة يسهل التلاعب بعقلها.
في البدء لم تكن للطاووس عيون. في البدء لم تقع الكلمات أسيرة العيون
المنشورة على مخدّة الريش، تنام ولا تغفو، تنعس ولا تنام، وإن نعست، ينام خمسون
منها وخمسون تبقى صاحية. كانت العيون عهد ذاك على جسم عملاق اسمه آرغوس، الخادم
الأمين للإلهة هيرا زوجة الإله زوس. يأتمر بأمرها وينفّذ طلباتها وينصاع لرغباتها.
عملاق ضخم لا يملك من أمره شيئًا، لإنّه منذور لخدمة إلهة زوجة إله. لكنّ الإله "زوس"
وقع في هوى "إيلو" جميلة المعبد، وحين علمت "هيرا" بخيانة
زوجها، خاف هذا الأخير على حبيبته فسحرها في شكل بقرة بيضاء وصار يلتقي بها وهو في
شكل ثور. إنّما "هيرا" الفطنة انتبهت للأمر، فأرسلت عملاقها الوفيّ، صاحب
العيون المئة لحراسة البقرة، تنام خمسون عينًا من عيونه وتبقى الخمسون الأخرى
ساهرة.
طلب زوس من ابنه "هرمس" أن يخلّصه من العملاق، ففعل الشابّ ذلك
إذ جعله يغفو وهو يروي له حكاية ويعزف على القيثارة، ثمّ قطع له عنقه. فقامت "هيرا"،
وتقديرًا لوفائه، بنقل عيونه المئة إلى ريش حيوانها المفضّل الطاووس، وأرسلته
لملاحقة "إيلو" التي هربت أخيرًا إلى مصر حيث استعادت شكلها البشريّ
بمساعدة الإله زوس، وأنجبت منه صبيًّا كان بداية سلالة حكمت تلك البلاد.
يشبه الطاووس ذلك الرجل. هذا ما خطر لي يوم التقيت به ذات صدفة. طاووس لا
يعرف حكاية العيون الميتة المطبوعة على ظهره، من دون أن تريه ما يجري خلفه وحوله.
طاووس أو رجل: لا يعرف إلّا أن يجذب أنثى بلا ريش وتحلم مع ذلك بالطيران، لتكتشف
مع الوقت أنّها لا تستطيع سوى إنجاب مزيد من الطواويس.