فلنبكِ اليوم طويلًا وكثيرًا
فلنبكِ بسبب خيباتنا، وخنوعنا، وغبائنا، وكبريائنا
فلنبكِ لعلّ البكاء ينظّف وجوهنا من وسائل الزينة، وطرقاتنا من تلال
النفايات
فلنبكِ لعلّ التراب يزهر من جديد
فلنبكِ على كلّ شهيد وجريح ومعوّق ويتيم وثكلى ومهجّر ومخطوف ومهاجر
فلنبكِ حتّى تنتفخ أجفاننا وتحرق عيوننا دموع القهر والشوق والغضب
فلنصمت اليوم قليلًا ولنبكِ كثيرًا
فلنبك أمام شاشات التلفزيون، ولننحنِ أمام الموت والحزن خجلًا وندمًا
واعتذارًا
فلنخجل اليوم من تخاذلنا في كلّ ما نقوم به في حياتنا الخاصّة وفي عملنا...
فذلك ما تسبّب بموت من مات
فلنندم لأنّنا حيث كان يجب أن نصرخ في وجه الظلم سكتنا وصفّقنا، وحين كان
يجب أن ننتفض على الشرّ تواطأنا معه، وحين كان يجب أن ننادي بالحريّة والعدالة والجمال
سرنا في مواكب التبعيّة وزحفنا خلف الزعماء واحتفلنا بالبشاعة
ولنعتذر من كلّ الذين ماتوا تعذيبًا في السجون ومعاناة في الأسر وإهمالًا في
المستشفيات ودهسًا على الطرقات ووحدة في دور العجزة، لأنّنا تركناهم يموتون حين
نسيناهم
لنبكِ اليوم لأنّ القبح غزا فنوننا، وغياب الضمير يعلّم في مدارسنا، والفساد
يعشّش في نفوسنا، والفقر يقيم في بيوتنا،
لنبك، ليس على العسكريّين الشهداء الذين يمشون اليوم بفخر صوب تراب قراهم
فحسب، بل علينا نحن مشاريع الموتى، أصدقاء اليأس، أبناء الوطن المقهور، ضحايا العهر
السياسيّ والمال الملوّث والدين المشوّه.
لنبكِ اليوم طويلًا وكثيرًا... لعلّ الدمع يغسل نفوسنا فنرى من بين خيوط
الدمع عجوزًا تحمل سبحتها وتقصد الكنيسة في يوم ميلاد العذراء مريم لتصلّي من أجل
أهالي الشهداء، فنطمئنّ إلى أنّ بعضنا لا يزال بنقاء الطبيعة قبل أن نقطع أشجارها
ونسمّم مياهها ونلوّث هواءها... ونتمنّى أن ينتهي هذا الليل الطويل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق