1- يُقال: إنّ التلميذ لا يصغي في الصفّ ويحتاج إلى دروس إضافيّة بعد الظهر!
أمّا أنا فأقول: التلميذ أذكى من أن يعاقب نفسه بمدرسة قبل الظهر وبالدرس
مع معلّمين بعد الظهر، فيخسر بذلك يومه كلّه، ولا يجد الوقت ليرتاح أو يلعب أو يمارس
هواياته مع أصدقائه.
وهو يلهو في الصفّ لأنّ الدرس أضجره أو أتعبه أو لم يجد فيه ما يعنيه أو
أنّه يعاني من صعوبات تعلّمية لا تُحلّ بدروس إضافيّة. وما دامت الإدارة لا تحاسب
والأهل لا يسألون، فلماذا لا يكون التعليم الخصوصيّ وسيلة رزق شريفة ومشروعة ولا
يعاقب عليها القانون؟
2- يُقال: إنّ الأهل لا يجيدون
تدريس هذه المادة أو تلك، لذلك يجب الاستعانة بمدرّس خصوصي!
أمّا أنا فأقول: حين كانت الأميّة منتشرة بين الأهل، كانت الحكمة والمحبّة
تجتمعان لتعوّضا على الأولاد ما نَقُص عند أهلهم. وكم سمعنا عن أمّهات أميّات جلسن
قرب أولادهنّ، عند المذاكرة، وتظاهرن بأنّهن يعرفن الدروس واللغات، وكان الأولاد
يصدّقون ادّعاءات الأمّهات ويدرسون...
لكنّ أمّهات اليوم (طبعًا الآباء مشغولون)، وفي غياب المحبّة الذكيّة بالفطرة، والحكمة التي ترذل
الأنانيّة، يُجدن لغات كثيرة إلّا لغة التربية، ويحملن شهادات كثيرة خلا شهادة
الأمومة (لا الولادة)... فلماذا لا يطلبن مساعدة معلّم (قد) تسقط منه سهوًا أجوبة
الامتحانات أثناء المراجعة؟
3- يُقال: إنّ الدروس والفروض المنزليّة واجبات لا غنى عنها!
أمّا أنا فأقول: إنّ التلميذ لا يمكن أن يحتمل أكثر من حصص المدرسة، ومتّى
علّمناه طريقة التفكير، انتفت الحاجة إلى دروس بيتيّة... يكفي أن نثير حشريّة
التلميذ للمعرفة، وأن نقدّم له مادّة يعرف أهميّتها في حياته ودورها في مستقبله،
وأن نجعل التعليم متعة وفائدة، وأن نعوّده على البحث والمطالعة، حتّى تكون المدرسة
قد أدّت دورها. أمّا بعد الظهر فللعائلة واللعب والرياضة والفنون والراحة... سبع
حصص تكفي وتزيد... ولا داعي لحمل حقيبة تقطع الظهر من البيت وإليه...
4- يُقال: إنّ التلميذ يعاني من صعوبات تعلّمية ويجب تحويله إلى قسم خاصّ!
أمّا أنا فأقول: كلّ تلميذ حالة خاصّة، أكان مقصّرًا في دروسه أو متفوّقًا
فيها... فالمجتهد أيضًا يتعب ويضجر... وليراقب المعلّمون أنفسهم حين يكونون في ورش
العمل كيف يضجرون ويتعبون ويتثاءبون وينعسون وينامون... فكيف يكون حال تلامذة في
مرحلة نموّهم الجسديّ وهم يجلسون لسبع حصص على الأقلّ على مقاعد خشبيّة تُيبّس
أجسادهم الطريّة وتجمّد عقولهم الطفلة؟
فهل يُعقل أن يكون نصف الصفّ من ذوي الحالات الخاصّة (مشكلات عائليّة وعقد
نفسيّة...) والنصف الثاني من ذوي الحالات الخاصّة الأخرى (أولاد معلّمين ومسؤولين
وأهل نافذين...)؟
5- يُقال: إنّ التعليم رسالة والمعلّم رسول عليه أن يضّحي بوقته وصحّته
ويصبر على المتعلّمين!
أمّا أنا فأقول: التعليم رسالة ورُسُلُها معلّمون وإداريّون وأهل... فلماذا
على المعلّم وحده أن يضّحي؟؟؟ الأهل مستقيلون في أغلب الأوقات، ويتركون مسؤولية
أولادهم على المدرسة قبل الظهر وعلى "الخادمات" ومعلّمي الدروس
الخصوصيّة بعد الظهر... وإدارات المدارس، خلا بعض الاستثناءات، لا تُسلَّم لمربّين
بل لمؤتمَنين ماليّين، عليهم تحقيق الأرباح الماديّة، لذلك يعاملون الأهل وأولادهم كزبائن. فلماذا يرفض المعلّم عروضًا
مغرية للتعليم، علمًا أنّ الأهالي يهرعون إلى من يطلب السعر الأعلى والأغلى على
اعتبار أنّه لا بدّ أكثر براعة من سواه؟
في النتيجة، بين مصلحة المعلّم واستقالة الأهل وغياب المراقبة الإداريّة
الخبيرة والصارمة... صار الطالب اللبنانيّ طالب قُرب الوزير وواسطة المدير، وخود يا
بلد ع تعتير...
لفت انتباه:قبل أن أستلم مهمّة تنسيق الدورس، وحين كنت معلّمة، طلبت منّي والدة أحد التلامذة أن أساعده في دروسه، وتدفع لي ما أريد. استدعيت ابنها، وفي حضورها، اتفقت معه على أن يدرس وحده بعد الظهر المدّة التي يجب أن أكون في رفقته، على أن يأخذ هو قيمة الأجر الذي عرضته عليّ الوالدة، ويقدّم لي في اليوم التالي في الصفّ دفتر أعمال البيت وكيف درس... وافق التلميذ على أن يحاول أمام ذهول أمِّه من الخطّة التي وافقت عليها مرغمة.
نجحت الخطّة، درس التلميذ وحده، قبض المبلغ من أمّه، ونجح في آخر السنة.
في السنة التالية، درس وحده، ولم يكن ثمّة أجر، لأنّه اعتاد الدرس ولم يعد يخشاه... صار يعرف كيف يدرس...
هناك تعليق واحد:
كما الرسم موهبة..
و الغناء موهبة،
و الطب موهبة ،
أن يكون إنسان "معلماً" أيضا ً موهبة...
فبإستطاعة أي كان أن يتعلم و يفهم و يتلقًن علما ً أو درسا ً، و لكن من الصعب و النادر وجوده أن ينقل ما تعلًم و فهم و ما تلًقن إلى شخص آخر ..
إرسال تعليق