Dima Dmitriev |
قبل عصر الإنترنت، سرت تساؤلات عن أعمال عدد كبير من المبدعين في مختلف المجالات الفنيّة والأدبيّة، وكان السؤال الذي يتكرّر يشبه هذه الأسئلة: من أين أتى جبران خليل جبران بأفكاره؟ ومن كتب له كتاب "النبيّ"؟ وهل أخذ ميخائيل نعيمة بعض قصصه القصيرة من الأدب الروسيّ الذي لم يكن يعرف أحد عنه شيئًا مهمًا في تلك المرحلة؟ ومن يقف وراء ثورة طه حسين؟ ومن أين استعار محمد عبد الوهاب بعض جمله الموسيقيّة؟ والأخوان رحبانيّ؟ هل هما وحدهما اللذان يقفان خلف هذه الكتابات الشعريّة الرائعة وخصوصًا في اللغة الفصحى أم هناك من مدّ لهما قلم المساعدة؟ وسوى ذلك من الأسئلة التي كنت أقرأ عنها في مراهقتي في المجلاّت الأدبيّة وكانت تثير جدالاً واسعًا لأنّ الاتّهامات كانت تنصبّ على طارحي هذه الأسئلة معتبرة إيّاهم متواطئين مع العدو – الإسرائيليّ طبعًا - بهدف تحطيم أعمدة الفكر والثقافة والفنّ في بلادنا.
وفي مرحلة لاحقة بدأ الحديث عن التأثّر بالموسيقى الأرمنيّة والتركيّة والهنديّة وسواها من الأنواع الموسيقيّة التي لا تعرف شعوبنا العربيّة الكثير عن أغنياتها وقصائدها، فضلاً عن الشعر والرواية والأفلام والمسرحيات...
اليوم في الإمكان التأثّر بالكثير ممّا نسمعه ونقرأه وغالبًا ما ننسى (أو نتناسى) أنّنا سمعناه أو قرأناه، وكيف حصل ذلك ومتى وأين. ولذلك نحيل الأمر تلقائيًا إلى توارد الأفكار، وإلى أنّه لا جديد تحت الشمس، و"يخلق من الشبه أربعين" حتى في الفكرة الشعريّة أو الروائيّة أو الموسيقيّة.
كلّ ذلك مسموح ومنطقيّ! ففي زحمة وسائل الاتّصال وانفتاح المجال أمام أيّ واحد منّا كي يعرف ماذا يجري في أيّ بقعة من العالم، وكي يقرأ ما كتبه مراهق على "الحائط" الخاصّ بصديقته في ما يسمّى الـ facebook ، بات من السهل أن تستوحي فكرة رواية أو قصيدة أو مقالة ولن تشعر بالذنب فالأفكار صارت مرميّة على قارعة الإنترنت والشاطر من يحسن التقاطها وتحويلها عملاً أدبيًّا.
ولكن القرصنة شيء آخر مختلف تمامًا. ونحن كمستمعين وقرّاء لسنا أغبياء إلى الدرجة التي يظنّها المبدعون، على الأقلّ ليس كلّنا. فمن السهل أن تعرف أنّ كتاب الشعر الذي أصدرته فلانة (أجد أنّ كلمة ديوان لا تناسب واقع الحال) مسروق حرفيًّا من كتاب صدر باللغة الفرنسيّة ولم يلق ترحيبًا في بلاده حتّى وقع صدفة بين يدي صديقتنا الرحّالة. وأنّ الفيلم الذي حصد جوائز عالميّة مستوحى تمامًا من فيلم أجنبيّ آخر، وأنّ الرواية التي كتبها فلان مأخوذة بلا تعديل في حبكتها من مقالة لكاتبة في إحدى الصحف العربيّة، وأنّ الشعار الذي تبنّته إحدى المحطّات التلفزيونيّة هو نفسه الذي وضعته مسؤولة في إحدى المدارس على صفحة الإنترنت الخاصّة بها، وأنّ الأسئلة التي طرحها مقدّم البرنامج الصباحيّ كتبتها صحافيّة معروفة في صباح اليوم نفسه في صحيفة هي الأولى في بلادها.
كيف يمكن للمبدع إذًا أن يضع حدًّا للسرقات التي يتعرّض لها من زملائه، في وقت تسرق فيه دور النشر حقوقه كمؤلّف، وقراصنة التسجيل حقوقه كملحّن أو شاعر أو مطرب؟ والدولة في كلّ ذلك في خبر كان، والنقابات في خبر لعلّ وليت...
لا جواب طبعًا! فكما اعتدنا على تناول الطعام من صحن واحد، وأن نتقاسم الحلو والمرّ، وأن يدخل الواحد منّا إلى منزل الآخر من دون موعد أو استئذان، وأن يستعير الواحد امرأة صديقه لأنّ المثل يقول: الصديق عند الضيق، وأنّ ما لي هو لك و"الحال من بعضه"، و"نحنا واحد"، و"نحنا لبعض"، وشو أنا وشو إنت"، و"الجيبة واحدة"، فمن السهل أن تكون أفكارك ملكًا مشروعًا لي، وأن تكون حقوقك من نصيبي، ومن "العبّ للجيبة" يا رجل، و"مش قاسمين".
اعتدنا في عالمنا المعاصر استباحة كلّ شيء: الأرض والعِرض وكلّ ما له علاقة بهما، ولا أعرف فعلاً ماذا فعلت المدنيّة والحضارة الحديثة في حماية الإنسان من شريعة الغاب أو الصحراء أو البحر حيث القويّ يأكل حقوق الضعيف. القويّ؟ ليس الموضوع موضوع قوّة ولكنّه حبّ البقاء: إن في السباق على الماء والكلأ أو على الشهرة والمال، أو على السلطة والجاه.
في زمن ما بعد العولمة حيث الحدود مشرّعة، والأبواب مشرّعة والثياب مشرّعة، خبّئوا أفكاركم فهي كلّ ما بقي لكم، واشكروا ربّكم على أنّ رؤوسكم ليست من زجاج شفّاف.
هناك تعليقان (2):
قضية مهمة جداً, ربما هي من الشؤون الحسّاسة بالنسبة لي.
لا يقتصر الأمر على مشاهير يأخذون من مغمورين أو "يقصون و يلصقون" فحتى على مستوى "اللي على قد حالهم" مثل حالتي تجدين أمثلة رهيبة! في آخر بحث قمت به اكتشفت سرقة أكثر من 14 مادة من مدونتي (و أقول سرقة لأنها لم تكن نقلاً, مع ذكر المصدر أو بدونه, بل كان نسباً صريحاً للنفس) و إحدى الأمثلة المضحكة كانت عضوة في إحدى المنتديات نسخت مقالة لي بعنوان "نظرة جدلية في الحياد و المنظور" و نسبتها لنفسها في أحد المنتديات, و يبدو أنها لم تكلّف نفسها عناء قراءة المقالة لأنني كنت أتحدّث في داخلها عن ردود على إحدى فقرات زاوية أسبوعية كنت أكتبها, و الظريف أكثر من ذلك أن من رد عليها و شكر لها "مجهودها" لم يكلّف هو الآخر نفسه عناء القراءة ليكتشف!
كان هناك على صفحة انترنتية "تفضح" سرقات لبعض الأقلام الشهيرة جداً, من الصحفيين خصوصاً, و هناك أمثلة (إن كانت صحيحة حقاً) موغلة في الوقاحة كنسخ مقاطع كاملة من مقالات أو بحوث أو غيرها.. بحثت عن الموقع لكن يبدو أنه أٌغلق..
تحيّة
فعلا .. احيانا نقول الحمد لله ان رؤسنا ليست من زجاج شفاف .. خشية قرصنة ما نفكر به .. لكن ثمة هاجس اخر يلاحقنا .. ففي بلد تخرج من بيتك صباحا ولا تعلم ما اذا كنت ستعود .. هناك وسائل اخرى للقرصنة بعد الاختطاف .. ستقول بمحض ارادتك ما فكرت فيه انفا وما تفكر به الان وما يراود تفكيرك مستقبلا .. دمت رائعة اردت فقط ان اسجل مروري
إرسال تعليق