إلى باتريسيا ... إبقي عروسًا ليطول عمر الفرح
يا صغيرتي الطفلة التي كبرتِ على غفلة منّا، مذ اتّصلت أمّك وقالت إنّها
ستمرّ لبضع دقائق لتراني، شعرت بأنّ العمر مرّ بسرعة، لكنّه لم يضع. وكانت بطاقة
الدعوة إلى حفل إكليلك، في يدها المرتعشة تأثّرًا، دليلًا يؤكّد لي أنّ الأمّ التي
تعبت وربّت وَجَدَت، وكانت النظرة الهاربة في عينَيّ والدك إثباتًا على أنّ الأبّ
الذي تعب وربّى وَجَدَ، وكنتُ أمامهما أشهد على حبٍّ أنجب حبًّا. وأفرح لأنّ الدنيا لا تزال بخير!
قبلَك، يا صغيرتي الشابّة، تزوّج زملاء لك وزميلات، فشهدت على تكوّن
عائلاتهم، واستُشرت في تربية أولادهم. لكن، قبلك، لم تصلني دعوة لأكون حاضرة فأراك تقولين نعم للحبّ والعائلة والالتزام والمسؤوليّة والعلم والعمل... هكذا كنتِ
دائمًا ولا أراك إلّا هكذا، وسعيدٌ من سيقول لك نعم لأنّه التقى فيك بالحياة التي
لا تعرف اليأس، وبالعزيمة التي لا تخشى الصعوبات، وبالمحبّة التي لا تعرف إلّا
الفرح.
لكنّك اليوم يا صغيرتي العروس، لستِ مجرّد فتاة ترتبط بشاب، أنت سفيرتنا الجديدة إلى بلاد الغربة التي تبقى
بعيدة ولو صار العالم قرية كونيّة. أنتِ سفيرة عاداتنا وتقاليدنا، وهويّتنا
المعجونة بتراب الأرض وهواء الفضاء ودم الشهداء ونور الشمس وهاجس الحريّة والتوق للمعرفة.
أنتِ حاملةُ وطنَك في فكرك المنذور للعطاء، وحاضنة عائلتَك في قلبك الموعود بأطفال لهم
إرثُك الحضاريّ، والمؤتمنة على تاريخِك المجبول ألمًا وأملاً. فلا ترضي بأقلّ ذلك.
إبقي عروسًا يا صغيرتي الكبيرة، ليطولَ عمرُ الفرح في بيتك وبيت أبويك وبيت
حمويك، واكبري بالنعمة التي وُهبتها، مذ قال إيلي، والدك، لجوسلين، زوجته وحبيبة قلبه، فليكن لنا فتاة كلوحةٍ
يشعّ منها ضياءُ السماء، فأجابته جوسلين: وليكن لنا صبيّ كمعزوفةٍ تحمل آهاتِ
العشّاق السعداء. وتكلّلي، يا ابنة الحكمة، بالحكمة التي أضفتِ إليها، مذ كنت تلميذة تلتهم الكتب
ولا تشبع من المعرفة، كثيرًا من ذكائك وابتساماتك وتواضعك. ولا تنسي أنّ وسادتك
ستبقى ملهوفة لتضعي رأسك عليها، وتعودي طفلة يحوطها أهلها بالدلال والاهتمام...
ومن كان لها مثل هذه الأرض، وذلك البيت، وتلك الوسادة فلن تبتعد مهما غرّبتها
الأيّام، ولن تكون غريبة أينما ذهبت في العالم.
كوني سعيدة... ليطولَ عمرُ الفرح في قلوبنا!
هناك تعليقان (2):
ألا ليجبر الله قلبك بالمحبة، ويعمر فؤاجك بالنور وغقلك بوهج الحكمة يا بنت الحكمة. بوسة على رأسك يا أحلى ماري وأطيب مريم
هذا الدفقُ الرائعُ من العاطفة الرقراقة النابعة من القلب والعقل ... ويداكِ تدفقانِ بركات الحكمة والجب ... كأنما فلذاتٌ من كبدِكِ تُكللهم سعادة لا توصف ...
إرسال تعليق