ليلى: فتاة عربيّة بريشة أحد المستشرقين
إليزابيت تايلور في كاميرا مصوّرة إيرانيّة
الأرض بتتكلّم عربي والشعب بيحكي إنكليزي والصراع تركي فارسي
تناقلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي هذا الخبر:
"تجرّأ شاعر إيراني على الله في قصيدة يشتم فيها العرب سمّاها "إله العرب" في احتجاح على ما أورده برنامج تلفزيونيّ قال فيه أحد المشاركين إنّ اللغة العربية هي لغة أهل الجنّة، فقال الشاعر مصطفى بادكوبه وسط تصفيق مشاركين في أثناء إلقائه قصيدة في مؤسسة حكوميّة مخاطباً الله، "خذني إلى أسفل السافلين أيّها الإله العربي شرط أن لا أجد عربيّاً هناك".
مواقع إيرانيّة تناقلت الثلاثاء الماضي فيديو للشاعر الإيراني بادكوبه وهو يلقي قصيدة باللغة الفارسيّة تحت عنوان "إله العرب" يحتجّ فيها على برنامج تلفزيونيّ حكوميّ قال فيه أحد المشاركين إنّ العربيّة هي لغة أهل الجنّة، ثم نعت الشاعر الإيرانيّ العرب بأسوأ التعابير والألفاظ في وقت أكّد أنّه لا يفرّق بين قوميّة وأخرى.
ولئلاّ يثير غضب العرب الإيرانيّين أو الأهوازيّين في جنوب غرب إيران، قال إنّ هؤلاء "خوزيّون تعلّموا اللغة العربيّة وهم يعرفون أنّهم إيرانيّون وليسوا عرباً".
ويستخفّ بادكوبه بالجنّة قائلاً: "أنا لست بحاجة إلى جنّة الفردوس لأنّني وليد الحبّ فجنّة الحور العين والغلمان هديّة للعرب".
واعتبر الشاعر الإيرانيّ أنّ ظلم السلالة الساسانيّة هو الذي دفع الفرس إلى قبول الإسلام، وامتدح شعراء ايرانيين مثل حافظ وجلال الدين الرومي معتبراً كلامه ناضجاً مقارنة بـ"القصص العربيّة" في إشارة مبطّنة إلى الطعن بالقصص المذكورة في القرآن، مفضّلاً رباعيّات الخيام على "الحدائق العربيّة"، يريد الجنّة.
ولم يقف الشاعر الذي كان يلقي قصيدته من على منبر ثقافيّ حكوميّ إيرانيّ عند هذا الحدّ، بل قال إنّ "كلام غاندي وأشعار هوغو أشرف من المزاعم العربية".
وقال بادكوبه وسط تصفيق وتشجيع حضور وصفه أحدهم بأسد الأدب الإيراني "أسألك يا إلهي يا ربّ الحبّ أن تنقذ بلادي من البلاء العربي".
يُذكر أن مواقع إيرانيّة عديدة تناقلت فيديو القصيدة المذكورة وأشهرها موقع "بالاترين" الذي يتصفحه الملايين من الإيرانيين شهرياً".
********
وكنت في 4 شباط نشرت على مدوّنتي هذه المقالة تحت عنوان:
الفرس والأتراك وانتقام التاريخ
قبل الإسلام، كانت شبه الجزيرة العربيّة على خطوط تماس مع دولتين عظميين هما الأمبراطوريّة الفارسيّة الزرادشتيّة، والأمبراطوريّة البيزنطيّة المسيحيّة. ولو قال أحدهم عهد ذاك أنّ العرب الصاعدين من تلك الأرض القاحلة الجدباء سينتصرون على هاتين الأمبراطوريّتين لسخر منه الناس واتّهموه بالجنون، لكنّنا لا نستطيع في هذه العجالة التذكير بأسباب كثيرة كانت وراء هذا الانتصار في معركتي القادسيّة واليرموك يختلط فيها العامل الدينيّ بعوامل الاقتصاد والمصالح والفساد والاستعمار. غير أنّنا نذكّر بعشيّة ظهور الإسلام حين كان الفرس والبيزنطيّون يصلون بصراعاتهم إلى اليمن في أقصى الجنوب، حيث كانت الحبشة المسيحيّة تحاول في الوقت نفسه أن تجد لها موطئ قدم في منطقة عرفت مجدًا كبيرًا قبل أن ينهار سدّ مأرب ويهرب الناس نحو الشمال حيث بدأوا عهدًا جديدًا، وإن سمّته الديانة الإسلاميّة لاحقًا العصر الجاهليّ.
لا يمكننا تجاهل هذه الصورة التاريخيّة ونحن نراقب ما يجري اليوم على صعيد التقهقر العربيّ وعودة سطوع النجم الفارسيّ وإن صارت ديانته الإسلام الشيعيّ وانفتاح الباب العالي مشرعًا من تركيا وإن صارت الديانة هناك هي الإسلام السنيّ. ما يدلّ بشكل واضح على أنّ مصالح الدول ورغبتها في الاستعمار والاحتلال لا تتوقّف عند الموضوع الدينيّ وإن اتّخذته ذريعة، فها هي المنطقة نفسها تتعرّض لصراع إسلاميّ إسلاميّ بعدما كانت محطّ نزاع وثنيّ مسيحيّ. وإذا كانت الأهداف الاقتصاديّة عهدذاك متمثّلة بطريق الحرير والاتصال بالمحيط الهنديّ ومنه إلى آسيا، فالأهداف اليوم تتبدّى في الصراع على مصادر الطاقة وتأمين سوق للسلاح الذي يحتاج إليه المتصارعون، ثمّ تأمين الأرضيّة المناسبة لشركات تعيد بناء ما هدمه المتحاربون ما يضمن استمرار دورة الحركة الاقتصاديّة ويؤمّن مصالح الشعوب المنتصرة وحكومات الدول المشاركة.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه القراءة هو عن التغيّرات التي لا بدّ أن تفرض نفسها على بنية المجتمعات العربيّة متى صارت أسيرة الصراع الحضاريّ بين الفرس والأتراك. خصوصًا مع تناقص أعداد المسيحيّين في هذه البقعة وتراجع دورهم الفاعل على مختلف الصعد. ولعلّ مشهدَي استقبال الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء التركي في لبنان يعبّران عن انتقام لا واعٍ ( أو ربّما واع جدًّا) للغة الفارسيّة التي أجبر أبناؤها على التنكّر لها أمام هيمنة اللغة العربيّة، وللغة التركيّة التي حاربها العرب واللبنانيّون بشكل خاص عهد الأتراك في ما عرف بمقاومة التتريك. فصراع هاتين الدولتين اليوم حضاريّ أكثر ممّا هو دينيّ، واقتصاديّ أكثر ممّا هو مذهبيّ، وهو ثأر من التاريخ عبر استعادة الجغرافيا، وتصحيح الماضي بواسطة التحكّم بالمستقبل. وقد كانت البداية مع المسلسلات المدبلجة، ففي وقت كان تلفزيون المنار التابع لحزب الله يستورد المسلسلات الدينيّة والتاريخيّة من إيران كانت الشاشات العربيّة الأخرى تستورد المسلسلات التركيّة.
تاريخ العرب موجود في شعرهم، لكن يبدو أنّ الإيقاع الموسيقيّ لهذا الشعر أكثر رسوخًا في الوجدان العربيّ من معاني الكلمات، وإلاّ لكان العرب أحسنوا قراءة متغيّرات الأزمنة وتبدّل التحالفات وعرفوا كيف يشاركون في لعبة الأمم وصراع الحضارات وكيف يحمون أنفسهم من دورة الحياة التي تضمن البقاء للأصلح. والعرب على ما صار محسومًا لم يعودوا كذلك.
**********
الردود التي علّقت على كلام الشاعر الإيرانيّ نحت في طبيعة الحال في اتّجاه الصراع السنيّ الشيعيّ في المنطقة، على اعتبار أنّ الشاعر الإيرانيّ في حديثه عن العرب يقصد أهل السنّة تحديدًا. ويغيب مرّة أخرى عن الاهتمام أنّ الصراعات القوميّة تتزيّا غالبًا بزيّ الدين والمذهب. وأغلب الظنّ أنّ كلام الشاعر الإيرانيّ خطوة استكشافيّة ترصد ردود الأفعال إن في إيران أو في بلاد العرب، تمهيدًا لرسم خارطة طريق في ما المنطقة مقدمة عليه. وبعيدًا عن وقوعنا تحت تأثير "المؤامرات" التي نشعر أنّنا في تعرّض دائم لها، من المفيد أن نحسن ربط الأمور في عالمنا العربيّ/ الفارسيّ/ التركيّ. فشعوب هذا المثلّث تمضي الوقت في تحليل الغيبيّات والتقاط إشارات السماء وتهمل قراءة المتغيرات على الأرض أو التفتيش عن العلاقة بين ما يجري في مختلف السساحات العربيّة ومدى ارتباطه بالوجودين الفارسيّ والتركي وعلاقة كلّ منهما بإسرائيل والنفط والمياه ومصادر الطاقة الأخرى. قلّة من المحلّلين والمفكّرين والمتابعين تعرف ذلك، أمّا سائر العرب فيتكلّمون باللغة الإنكليزيّة كي يتفاهموا وهم مؤمنون بأنّ اللغة العربيّة هي لغة أهل الجنّة، وحين يمرضون يسافرون طلبًا للعلاج إلى دول أوروبا أو أميركا حيث يسلمون أنفسهم للأطبّاء الـ"كفّار".