هي رسالة تحمل بعض أسئلة وخزني شوكها وأنا أشاهد سلسلة البرامج والمقابلات، أو وأنا أقرأ سيل التعليقات والشهادات، وكلّها مستوحاة من موتك/الحدث.
السؤال الأوّل: من أين لك يا رجل، يا شاعر، كلّ هؤلاء الأصدقاء؟ كلّ من أجرى معك حديثًا صديق. وكلّ من وقّعت له ديوانًا صديق، وكلّ من جلس قربك في الندوة صديق، وكلّ من ألقى التحيّة عليك صديق، وكلّ من توسّل إليك كي تظهر معه في صورة واحدة صديق، وكلّ من لحّن أغنية من شعرك صديق. أمّا طلال سلمان، وأنا أصدّقه فيقول: إنّ أصدقاءك لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. مساكين نحن بعدك، لأنّنا مجبرون على متابعة شعائر موتك الأدبيّة والشعريّة بقصائد ومقالات من كلماتك. أجل من كلماتك أنت، حتّى طلع على بالي أن أصرخ يا جماعة يا فارغين، اكتبوا عنه بغير شعره وغير رثائه وغير ألفاظه وغير عناوين دواوينه. الويل لكم! ألم يثر فيكم موته الرغبة في اختراع أحرف وكلمات جديدة؟ ألم تتعلّموا منه الإبداع لا النسخ، والشعر لا النظم، والصدق لا الخبث؟
السؤال الثاني: كيف عليّ أن أصدّق وجودك جثّة في هذا المكان الذي لا يتلاءم مع أناقتك ونظافتك ورهافة ذوقك؟ ثمّة ما لا يصدّق في المشهد كلّه، ثمّة خطأ ما. فطلال سلمان نفسه يقول كم أنفت نفسك من الغبار والأوساخ في مصر وسوريا حين زرتهما بعد خروجك من فلسطين وكنت تنتظر أن تراهما كما قرأت عنهما في القصائد والروايات. وفلسطين؟ ألم تخذلك مرّة بعد مرّة بعد مرّة؟ قم يا رجل من هذا القبر المعدّ على عجل، والبعيد كلّ البعد عمّا في الذاكرة الفلسطينيّة والتراث الفلسطينيّ من جمال وشعر وذوق مرهف في التنسيق والترتيب.
السؤال الثالث: ماذا فعلت أنت وكلّ من سبقك وعلى حساب صحّتكم وحريّتكم من أجل تقدّم هذه الأمّة فترًا نحو الأمام؟ ماذا فعلتم أيّها الشعراء والفنّانون والمبدعون لتجعلوا عالمنا العربيّ أفضل ممّا كان عليه يوم ولدتم؟ الشعر، الفنّ، الإبداع في مختلف وجوهه؟ كلّ ذلك لم يغيّر شيئًا في هذا المجتمع القبيح، الغبيّ، الفارغ! يستمع العربيّ إلى صوت فيروز ثم يبصق أمامك في الشارع من احتقان التبغ في رئتيه والجهل في رأسه، يتأوّه مع شعر أحمد رامي بصوت أمّ كلثوم ثمّ يشتم السائق الذي توقّف عند إشارة السير احترامًا للقانون، يدندن أغنيات عبد الحليم الحالمة ثمّ يصفع زوجته لأنّها تأخّرت في إحضار حذائه، ينشد قصائدك مع صوت مارسيل خليفة ثمّ يخرج ليطفئ إحباطه في أقرب ملهى ليليّ، يدعو إلى الثورة في كتبه ثمّ يستلم جائزة من حاكم يقمع المثقّفين ويصادر الصحف، يشاهد أفلام يوسف شاهين ثمّ يضع للحريّة شروطًا وقيودًا ليحميها من نفسها على حدّ قوله. ماذا فعلتم لنا أيّها المبدعون؟ وماذا فعلنا بكم؟
تموتون الواحد تلو الآخر، فنزداد قبحًا وبشاعة وغباء.
ترحلون الواحد بعد الآخر، فنتبارى في الرثاء.
تنطفئون في فقركم وغربتكم ويأسكم وأمراضكم، فتشعّ وجوه نجوم البرامج الحواريّة الذين يوظّفون من يقرأ لهم كتبكم ويشاهد أفلامكم ويستمع إلى أغنياتكم ويشرح لهم معاني لوحاتكم التي تزيّن جدران منازلهم الفخمة.
موتوا أيّها المبدعون، وسنترككم تشبعون موتًا لأنّ الأيّام ستشغلنا عنكم بما يشبع بطوننا وعيوننا وجيوبنا. موتوا، فنحن شعب لم يكن يستحقكم منذ ولدتكم أمّهاتكم، ولا تعتبوا على من يصرخ فوق قبوركم ويناديكم أن عودوا فهو وجد الفرصة المناسبة ليتفجّع على نفسه من دون أن يتّهم بالجنون. موتوا ولا تؤاخذونا لأنّنا ما زلنا على قيد الحياة.
السؤال الأوّل: من أين لك يا رجل، يا شاعر، كلّ هؤلاء الأصدقاء؟ كلّ من أجرى معك حديثًا صديق. وكلّ من وقّعت له ديوانًا صديق، وكلّ من جلس قربك في الندوة صديق، وكلّ من ألقى التحيّة عليك صديق، وكلّ من توسّل إليك كي تظهر معه في صورة واحدة صديق، وكلّ من لحّن أغنية من شعرك صديق. أمّا طلال سلمان، وأنا أصدّقه فيقول: إنّ أصدقاءك لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. مساكين نحن بعدك، لأنّنا مجبرون على متابعة شعائر موتك الأدبيّة والشعريّة بقصائد ومقالات من كلماتك. أجل من كلماتك أنت، حتّى طلع على بالي أن أصرخ يا جماعة يا فارغين، اكتبوا عنه بغير شعره وغير رثائه وغير ألفاظه وغير عناوين دواوينه. الويل لكم! ألم يثر فيكم موته الرغبة في اختراع أحرف وكلمات جديدة؟ ألم تتعلّموا منه الإبداع لا النسخ، والشعر لا النظم، والصدق لا الخبث؟
السؤال الثاني: كيف عليّ أن أصدّق وجودك جثّة في هذا المكان الذي لا يتلاءم مع أناقتك ونظافتك ورهافة ذوقك؟ ثمّة ما لا يصدّق في المشهد كلّه، ثمّة خطأ ما. فطلال سلمان نفسه يقول كم أنفت نفسك من الغبار والأوساخ في مصر وسوريا حين زرتهما بعد خروجك من فلسطين وكنت تنتظر أن تراهما كما قرأت عنهما في القصائد والروايات. وفلسطين؟ ألم تخذلك مرّة بعد مرّة بعد مرّة؟ قم يا رجل من هذا القبر المعدّ على عجل، والبعيد كلّ البعد عمّا في الذاكرة الفلسطينيّة والتراث الفلسطينيّ من جمال وشعر وذوق مرهف في التنسيق والترتيب.
السؤال الثالث: ماذا فعلت أنت وكلّ من سبقك وعلى حساب صحّتكم وحريّتكم من أجل تقدّم هذه الأمّة فترًا نحو الأمام؟ ماذا فعلتم أيّها الشعراء والفنّانون والمبدعون لتجعلوا عالمنا العربيّ أفضل ممّا كان عليه يوم ولدتم؟ الشعر، الفنّ، الإبداع في مختلف وجوهه؟ كلّ ذلك لم يغيّر شيئًا في هذا المجتمع القبيح، الغبيّ، الفارغ! يستمع العربيّ إلى صوت فيروز ثم يبصق أمامك في الشارع من احتقان التبغ في رئتيه والجهل في رأسه، يتأوّه مع شعر أحمد رامي بصوت أمّ كلثوم ثمّ يشتم السائق الذي توقّف عند إشارة السير احترامًا للقانون، يدندن أغنيات عبد الحليم الحالمة ثمّ يصفع زوجته لأنّها تأخّرت في إحضار حذائه، ينشد قصائدك مع صوت مارسيل خليفة ثمّ يخرج ليطفئ إحباطه في أقرب ملهى ليليّ، يدعو إلى الثورة في كتبه ثمّ يستلم جائزة من حاكم يقمع المثقّفين ويصادر الصحف، يشاهد أفلام يوسف شاهين ثمّ يضع للحريّة شروطًا وقيودًا ليحميها من نفسها على حدّ قوله. ماذا فعلتم لنا أيّها المبدعون؟ وماذا فعلنا بكم؟
تموتون الواحد تلو الآخر، فنزداد قبحًا وبشاعة وغباء.
ترحلون الواحد بعد الآخر، فنتبارى في الرثاء.
تنطفئون في فقركم وغربتكم ويأسكم وأمراضكم، فتشعّ وجوه نجوم البرامج الحواريّة الذين يوظّفون من يقرأ لهم كتبكم ويشاهد أفلامكم ويستمع إلى أغنياتكم ويشرح لهم معاني لوحاتكم التي تزيّن جدران منازلهم الفخمة.
موتوا أيّها المبدعون، وسنترككم تشبعون موتًا لأنّ الأيّام ستشغلنا عنكم بما يشبع بطوننا وعيوننا وجيوبنا. موتوا، فنحن شعب لم يكن يستحقكم منذ ولدتكم أمّهاتكم، ولا تعتبوا على من يصرخ فوق قبوركم ويناديكم أن عودوا فهو وجد الفرصة المناسبة ليتفجّع على نفسه من دون أن يتّهم بالجنون. موتوا ولا تؤاخذونا لأنّنا ما زلنا على قيد الحياة.
***
(كتبت هذه المقالة ونشرت عقب وفاة الشاعر محمود درويش، أستعيدها مع بدء عرض المسلسل الذي يروي سيرته ويثير ردود فعل بين الرفض والقبول)