ليست هذه المختارات المنتقاة من صفحة محمّد نزّال الفيسبوكيّة سوى عيّنة صغيرة تشير إلى نمط فكريّ مميّز لافت فأحببت أن أجعله ضيف مدوّنتي.
لا يمكن في أيّ حال نشر شذرات محمّد و"حالاته" الكتابيّة كلّها، فهي كثيرة متنوّعة ثائرة غنيّة، كلّ واحدة منها تغري بملاحقة أخرى، فيصير الدخول إلى صفحته مغامرة قد نعرف متى تبدأ ولكن من الصعب أن نعرف متى وكيف تنتهي.
يبشّر محمّد نزّال بروائيّ ذي لغة خاصّة، كيف لا وفي منشوراته ومقالاته نجد الفلسفة والخيال وعلم الاجتماع والرغبة في التغيير واللغة الراغبة في هدم الهيكل على رؤوس تجّار الدين والسلطة والتربية. وفي انتظار أن يدعونا محمّد إلى عالمه الروائيّ الغرائبيّ وأنا أتمنّى أن يفعل، سيبقى لصفحته (فضلًا عن مقالاته) إغراء اللقاء الأوّل والقراءة الأولى.
كلّ كائن مؤدلج هو خطر محتمل على محيطه... وأكثرهم خطرًا، وقرفًا، مَن كانت أمّه نجحت في زرع الثقة بنفسه صغيرًا... (محمّد نزّّال) |
1-النباهة
الإجتماعيّة لا تصنعها الكُتب. للكُتب دور آخر. النباهة هذه يصنعها الشارع، أو،
بمعنى أدق، الشوارع. لطالما عرفت أشخاصاً قد بلعوا مئات الكُتب، فكانوا، في علاقة
طرديّة، على قدر ما بلعوه قد ازدادوا بين الناس بلاهة...
***
2-كلّ
الجماعات الدينيّة في العالم، الإسلاميّة تحديداً في منطقتنا، مُعتدِلة ومُتطرّفة،
في كلّ المذاهب... هي على موعدٍ مع تصاعد التوتّر، القلق، الفوضى، الإرتباك، أزمة
الهويّة، الشعور بالتهديد، بالخطر... ما سيدفعها، مع الوقت، لارتكاب حماقات غير
محسوبة.
المُعتدِلة مِنها، أو
الورديّة، ستذهب نحو العنف، أمّا المُتطرّفة فستُصبِح أكثر عنفاً وتطرّفاً. ثمّ
يكون غير الذي كان... إن كان لا بدّ أن يكون.
مخاضٌ لا بدّ مِنه،
على سُنّة الإجتماع البشري وعلمه.
أمّا أنا، فسأسعى في
توضيب حقيبتي...
***
3- أنت مؤمن أم ملحد؟ يميني أم يساري؟ إسلامي أم
علماني؟ ليبرالي أم إشتراكي؟...
- أنا تعبان.
***
4-لم
يَكن بإمكاني احتمال الواقع... إلا بالسُخرية مِنه. ذلك كحيلة دفاعيّة، ذكيّة،
طوّرَتها خلايا رأسي، حِفاظاً على الحياة، في وجه مَوتنا اليومي.
ذلك لأنّ "إرادة
الحياة" هي ناموسنا الأعلى...
***
5-الشعب،
إحدى أكبر الأكاذيب السياسيّة في العصر الحديث. الشعب مجرّد فرضيّة معنويّة،
وهميّة، كان لا بدّ مِن خلقها، في لعبة الحُكم، لإقناع الذين لا يَنتمون إلى شيء
أنّهم يَنتمون إلى شيء.
***
6-بعدما
تضامنت، سابقاً، مع كوكب الأرض بِرمّته، وبعدما وجدت أنّ هذا لا يُجدي نفعاً...
قرّرتُ اليوم أن أتضامن مع نفسي.
وأعلم، مسبقاً، أن هذا
لن يُجدي نفعاً، أيضاً.
لا بُدّ للدورة أن
تُكمل دورتها...
***
7-إلى
الآن، يبدو أنّنا الجنس الوحيد الذي يبكي. ليس مجرّد ذرف الدموع. لا. هذه تفعلها
كائنات أخرى. بعضها، وربّما كلّها، تحزن. لكن نحن نبكي عاطفة. هذا ما يُرجّحه
العلم الحديث اليوم. كيف طوّرنا هذا السلوك؟ لِمَ امتزنا به؟ نُريد أن نبعث
برسائل، لكلّ مَن وما حولنا، أنّ أعماقنا تهتز؟ لِم نهتز؟ لأننا "نعي"..
"نُدرك"؟ لأننا كنّا، كجنس، الأكثر تجرّعاً للألم؟ بسبب الوعي؟ بسبب
"المعنى"؟ (ملعونة كلّ المعاني). بسبب الخوف المحسوب؟ المُرتقب؟ بسبب
"الوحشة" التي أكلت نفوس أسلافنا، وما زالت، مقنّعة، تفعل؟ وحشة قذفنا
في هذا المجهول؟ ونعي كلّ ذلك!
ذاك الذي قال "إن
الدمع هو الإنسان"... هل كان يقصد كلّ هذه المعاني؟ أم أنّه كان يُطلق،
لمصلحة القافية، مجرّد هراء؟ لا يهم. نحن نبكي.
هذا ما لم يُفسّر،
تماماً، بعد...
***
8-تَوقّف
العيدُ عندي يوم تَوقّفتُ عن شراء الثياب الجديدة، واللعب مع الرِفاق في الأزِقّة،
وعيش اللحظة بِكلّ شغف... دون اكتراث، أو مُجرّد تفكير، في ما يَنتظرني غداً.
العيدُ مَرحلة
عُمريّة، ثم تنقضي. تبقى الذكرى. العيدُ للأطفال.
***
9-يَصدق،
مُجدّداً، أولئك الذين يقولون دوماً: إن الحرب الأهليّة لم تنته. لقد سكت المدفع،
فقط، إنما رواسبها ما زالت تحرّك الوعي هنا وهناك.
وبالمناسبة، ليس
لـ"داعش" الحاليّة، بما هي امتداد للعقل السلفي التاريخي، بالمعنى الضد
عقلانيّ، ثأر مع ديكارت أو كانط أو هيغل، إنّما ثأرهم كان، وما زال، مع النبات
الفلسفي المحلي للتربة التي أنتجت أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد. هؤلاء الذين
يجتمع ضدّهم "الداعشي" و"الطائفي" على حدّ سواء... وكلّ
لأسبابه. هنا كلّ الحكاية.
***
10-قبل
نحو 1400 عام، أوصى النبي بعض أهله وصحابته، مِن الذين آمنوا، بالهجرة إلى بلاد
الحبشة بعد التضييق عليهم مِن جانب السلطة الحاكمة في مكّة... قائلاً لهم:
"لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها مَلِكاً لا يُظلَم عنده أحد". كان اسم
ذلك المَلِك "النجاشي". أما الحبشة فهي اليوم منطقة أثيوبيا في أفريقيا.
أما وإن أثيوبيا اليوم
بلاد فقر، وقد ضاقت بنا دنيانا، فإنّي، مستعيناً بالله، أنصحكم بالهجرة إلى بلاد
يُقال لها اسكندنافيا، لمن استطاع إليها سبيلا، هي السويد ومحيطها... فإن بها
ملكاً، اسمه كارل غوستاف، وقد بلغني أنّه لا يُظلم عنده أحد.
والسلام...
***
11-لم
أعد أُريد أن أّثبِت لأحد شيئاً. بِمعنى أدق: لم أعد أرغَب. لقد أخذني هذا
"المرض" أكثر مِن ثُلث قرن مِن عمري. لقد شُفيت مِنه.
وإن كان لا بُدّ لي
مِن ولادة ثانية... فهذه.
***
12-تتجلّى
بلاهة أحدنا، وقوّته، وضعفه... في اعتقاده أنّ ثمّة مَن سيبكيه بعد موته، وأنّ
ثمّة مَن سيَندم، وأنّ ثمّة ما سيتغيّر في هذا العالم.
***
13- مِن نتائج ارتياد الفيسبوك، ومواقع التواصل الإلكتروني عموماً،
على مدى أكثر مِن عقد مِن الزمن، أنّها جعلتني أكره التصوّف والمتصوّفين والعرفان
وأهله، وكلّ ما يمتّ إلى عالم الكشف والجذب والوجد الروحي بِصلة. كرهتُ الرومي
وحافظ والحلاج وابن عربي وابن الفارض و"ابن سبعين" وابن أربعين وابن
تسعين وابن زفت الطين...
كرهتُ لفظة
"عشق" مِن أصلها، والعشّاق، وكلّ ما يمتّ إلى هذا المعنى بِصلة. هذا
المرحاض الإلكتروني، باستعراضاته السطحيّة والرخيصة، كفيل بأن يجعلك تكره ما لم
يكن يخطر في بالك أن تكرهه يوماً.
لا عزاء لنا، ولا
بديل، نحن الجيل الذي أدرك مرحلة ما قبل هذا الثقب الأسود، المرحاضي... ثم سقط فيه
عياناً.
***
14- "الديمقراطية" بذرة سياسية - اجتماعية -
ثقافية. إن لم تزرعها في تربتها المناسبة، وفي بيئتها الملائمة، وفي سياقها
التاريخي، فإنها لا تنبت لك إلا... الخراء.
***
15- أظنني أصبحت حاضراً للمنافسة على الفوز بالميداليّة الذهبيّة في
بطولة "عدم الانتماء" العالميّة...
إذ ليس فقط لم أقترع
الأسبوع الماضي، في الانتخابات البلديّة، بل لم أعرف مَن ترشح ضدّ مَن في القرية
التي هي، بحسب سجلّات النفوس، مسقط رأسي... هذا فضلاً عن عدم معرفتي مَن فاز ومَن
خسر، وما حصل عموماً. لم أعرف، ولا أريد أعرف، وحتى عندما لاح أمامي مقال صحيفة
حول الموضوع تحاشيته، فررت، كمَن يفرّ مِن الموت. وهكذا، عندما سألني أحد الأقارب
عن سبب عدم متابعتي للموضوع، أجبته، بمقولتي الذهبيّة: "فاتني أن هذا المقطع
يعنيني".
المهم، الآن، أنّه على
أحد ما أن يُكرّمني...
هناك تعليق واحد:
نعم ، مميز في معانيه ، وحدته مقبولةحيث خففها طريقته الساخرة الباعثة على الإبتسام .. يعافيك ماري ست الأدب والفهم
إرسال تعليق