دير مار أنطونيوس قزحيّا حيث توجد أوّل مطبعة دخلت إلى الشرق الصورة من عام 1896 |
من حقّنا أن نقول إنّنا لسنا مع كتاب تاريخ موحّد، ولكن من حقّنا في المقابل أن نطالب بكتاب حضارة موحّد، يخبر قصّة الحضارة في لبنان، وحكايات ناشريها في العالم وسِيَر عظمائها، ويروي كيف ساهم لبنان في الحضارة العالميّة وكيف عمل على ترسيخها عبر أفراد منتشرين في بقاع الأرض.
فمن المؤسف فعلاً أنّ القيّمين على كتاب تاريخ لبنان الموحّد هم السياسيّون، وأنّ المستشارين هم رجال الدين، وأنّ جامعي المعلومات هم موظّفون في الدولة يأتمرون بأمرها ويكتبون بأقلامها. تخيّلوا كم سيكون رائعًا أن يشرف الشعراء على هذا الكتاب الذي لن يخبر قصص البطولات المختلَف حولها، ولن يتطرّق إلى المعارك التي لا يُعرف من المنتصر فيها ولا من المنهزم.
بلى، فلنتخيّل كتاب تاريخ يتحدّث عن الشعراء والروائيّين والسينمائيّين والمسرحيّين والفنّانين التشكيليّين. ولنتخيّل لو كان بين أيدي أولادنا كتاب تاريخ يحكي عن العلماء الذين على صورة حسن كامل الصبّاح، وعن المفكّرين الذين على مثال شارل مالك، وعن مؤسّسي المدارس الوطنيّة الذين من طراز المطران يوسف الدبس.
تخيّلوا كتاب تاريخ يتحدّث عن المتعاطين بالحرف لا بالسلاح، وعن ناشري الكلمة لا عن ناشري الفساد، وعن المعلّمين لا عن السياسيّين، وعن الصحافيّين لا عن قادة الجيوش، وعن المهندسين والبنّائين لا عن مفخّخي الجسور، وعن الذين يحوّلون "الوعر إلى أرز وسنديان" لا عن زارعي الفتن والألغام.
ما رأيكم في كتاب تاريخ تطالعنا فيه أغاني الأخوين رحباني وزكي ناصيف وروميو لحّود لا خطب الزعماء، وموسيقى توفيق الباشا ووليد غلمية وفيلمون وهبي لا أناشيد الحروب الأهليّة والفتن الطائفيّة؟ وما رأيكم في كتاب تاريخ نتعرّف فيه إلى جانين ربيز مؤسّسة "دار الفكر والأدب"، وميشال الأسمر مؤسّس "دار الندوة"؟ وهل من داع للتذكير بأنّ الأسماء طرحت على سبيل المثال لا الحصر؟
من يُبعد السياسة اللبنانيّة الضيّقة عن الكتاب الموحّد لتواريخ لبنان المتعدّدة؟ ومن يقنع الدولة بأنّ هذا الكتاب ليس الوسيلة لتوحيد اللبنانيين وتقريب وجهات النظر بينهم؟ جرّبت الدولة خدمة العلم ولم تجد أنّها الحلّ الأنسب لصهر قلوب اللبنانيّين، وها هي اليوم تراهن على كتاب تاريخ انطلقت الشكوك حوله ما أن أعلنت خطوطه العريضة وراحت التساؤلات تتوالى حول ما يرضي الطوائف والعلمانيّين والأحزاب على اختلاف عقائدها وميولها، وأهل الوطن وجيرانه الموالين والمعارضين، والمغتربين، وهذا في حدّ ذاته عمل مستحيل لن يبصر النور إلاّ وقد قضت المحسوبيّات والمصالح الشخصيّة على العِلم والموضوعيّة.
ندعو في إصرار الشعراء إلى كتابة تاريخ لبنان. نقول ذلك ونحن نعلم أنّ الفساد طالهم أيضًا فأصابتهم عدوى الحزبيّات الضيّقة فانقسموا شيعًا ومراتب وجبهات. ومع ذلك سيكونون حتمًا، ومهما تكن سيّئاتهم، أفضل مئة مرّة من أيّ مؤرّخ يكتب تاريخ لبنان في ظلّ القيود المفروضة حاليًّا. ولن أصدّق أنّ شاعرًا حقيقيًّا يضع الفيتو على أحد من أهل الفكر والأدب والفنّ والعلم ما دام ساهم في الإنجازات الحضاريّة اللبنانيّة، بدءًا من التاريخ القديم إلى اليوم. أمّا إذا كان الشعراء سيرسبون أيضًا في امتحان المواطنيّة والانتماء والحريّة فلا داعي لكتابة تاريخ لبنان إذ لن يكون للبنان أيّ دور يستحقّ التأريخ.
فمن المؤسف فعلاً أنّ القيّمين على كتاب تاريخ لبنان الموحّد هم السياسيّون، وأنّ المستشارين هم رجال الدين، وأنّ جامعي المعلومات هم موظّفون في الدولة يأتمرون بأمرها ويكتبون بأقلامها. تخيّلوا كم سيكون رائعًا أن يشرف الشعراء على هذا الكتاب الذي لن يخبر قصص البطولات المختلَف حولها، ولن يتطرّق إلى المعارك التي لا يُعرف من المنتصر فيها ولا من المنهزم.
بلى، فلنتخيّل كتاب تاريخ يتحدّث عن الشعراء والروائيّين والسينمائيّين والمسرحيّين والفنّانين التشكيليّين. ولنتخيّل لو كان بين أيدي أولادنا كتاب تاريخ يحكي عن العلماء الذين على صورة حسن كامل الصبّاح، وعن المفكّرين الذين على مثال شارل مالك، وعن مؤسّسي المدارس الوطنيّة الذين من طراز المطران يوسف الدبس.
تخيّلوا كتاب تاريخ يتحدّث عن المتعاطين بالحرف لا بالسلاح، وعن ناشري الكلمة لا عن ناشري الفساد، وعن المعلّمين لا عن السياسيّين، وعن الصحافيّين لا عن قادة الجيوش، وعن المهندسين والبنّائين لا عن مفخّخي الجسور، وعن الذين يحوّلون "الوعر إلى أرز وسنديان" لا عن زارعي الفتن والألغام.
ما رأيكم في كتاب تاريخ تطالعنا فيه أغاني الأخوين رحباني وزكي ناصيف وروميو لحّود لا خطب الزعماء، وموسيقى توفيق الباشا ووليد غلمية وفيلمون وهبي لا أناشيد الحروب الأهليّة والفتن الطائفيّة؟ وما رأيكم في كتاب تاريخ نتعرّف فيه إلى جانين ربيز مؤسّسة "دار الفكر والأدب"، وميشال الأسمر مؤسّس "دار الندوة"؟ وهل من داع للتذكير بأنّ الأسماء طرحت على سبيل المثال لا الحصر؟
من يُبعد السياسة اللبنانيّة الضيّقة عن الكتاب الموحّد لتواريخ لبنان المتعدّدة؟ ومن يقنع الدولة بأنّ هذا الكتاب ليس الوسيلة لتوحيد اللبنانيين وتقريب وجهات النظر بينهم؟ جرّبت الدولة خدمة العلم ولم تجد أنّها الحلّ الأنسب لصهر قلوب اللبنانيّين، وها هي اليوم تراهن على كتاب تاريخ انطلقت الشكوك حوله ما أن أعلنت خطوطه العريضة وراحت التساؤلات تتوالى حول ما يرضي الطوائف والعلمانيّين والأحزاب على اختلاف عقائدها وميولها، وأهل الوطن وجيرانه الموالين والمعارضين، والمغتربين، وهذا في حدّ ذاته عمل مستحيل لن يبصر النور إلاّ وقد قضت المحسوبيّات والمصالح الشخصيّة على العِلم والموضوعيّة.
ندعو في إصرار الشعراء إلى كتابة تاريخ لبنان. نقول ذلك ونحن نعلم أنّ الفساد طالهم أيضًا فأصابتهم عدوى الحزبيّات الضيّقة فانقسموا شيعًا ومراتب وجبهات. ومع ذلك سيكونون حتمًا، ومهما تكن سيّئاتهم، أفضل مئة مرّة من أيّ مؤرّخ يكتب تاريخ لبنان في ظلّ القيود المفروضة حاليًّا. ولن أصدّق أنّ شاعرًا حقيقيًّا يضع الفيتو على أحد من أهل الفكر والأدب والفنّ والعلم ما دام ساهم في الإنجازات الحضاريّة اللبنانيّة، بدءًا من التاريخ القديم إلى اليوم. أمّا إذا كان الشعراء سيرسبون أيضًا في امتحان المواطنيّة والانتماء والحريّة فلا داعي لكتابة تاريخ لبنان إذ لن يكون للبنان أيّ دور يستحقّ التأريخ.
* النهار – 19 كانون الثاني 2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق