الأحد، 31 ديسمبر 2017

صلاة من عتمة الملل (2004)


يا ربّ، أعرف أنّي لا أصلّي كثيرًا، لكنّي سأفترض أنّك تحبّ أن تسمع صوتي بين حين وآخر، وسأفترض أيضًا أنّك تحبّ أن تسمع صلاة مختلفة عمّا اعتدت سماعه.
يا ربّ! أبعد عنّي الأصدقاء والمحبّين الذين يتذكّرونني مرّة أو مرّتين، فأنا لست فيروز ولا أحبّ أن أزار مرّة واحدة كلّ سنة. وأقسم، مع أنّك لا توافق على مبدأ القسم، بأنّني لن أعتب على من ينساني أو يهمل الاتّصال بي. وإذا كان الآخرون يطلبون إليك ألاّ يبقوا وحيدين فأنا أجيّر بواسطتك لهؤلاء جميع الذين يتشدّقون ليل نهار بالصداقة والمحبّة والاهتمام، وعند الحاجة لا تجدهم. في أيّ حال أنت عرفت ذلك في بستان الزيتون وشعرت كإنسان بسيف الألم يجوز صدرك ولكنّك غفرت، إلهًا، وسامحت، أمّا أنا فأنا.
يا ربّ! خلّصني من القبلات الدبقة ذات الطعم والرائحة التي تلتصق على وجنتي مرّة في العام ثمّ أحاول طوال العام محوها وإزالة آثارها.
يا ربّ! أنقذني من المهنّئين في ساعات الفرح ومن المعزّين أمام رهبة الموت ومن العائدين عند المرض ومن المهلّلين عند النجاح، هؤلاء الذين لا أراهم إلاّ في المناسبات ثمّ يختفون.
يا ربّ! تعبت من الابتسام لحظة كان البكاء يقف على ضفّتي عيني منتظرًا تحطّم سدود "العيب". وضجرت من "التطنيش" مع أنّ الغضب كان يهدر في صدري وكلمات الرفض والتأنيب تقف على حدود شفتيّ تنتظر أن أفتح لها الباب لتتدفّق. وسئمت من "الحرام" و"لا يجوز" و"طوّلي بالك" و"عامليهم على قدّ عقلاتن" و"هالقدّ الله عاطيهن". لماذا يا ربّ لا يحترمون هم ما أعطيتهم ويتصرّفون على أساسه؟
يا ربّ! أنت تعرف أني لا أحبّ أن أكون وحيدة، ولكنّك تعرف أيضًا أني لا أحبّ أن أكون محاطة برجال لا يشكّ كلّ منهم ولو للحظة في أنّه أكثر الرجال وسامة ورجولة وكرمًا وذكاء وثقافة، وبنساء تظنّ كلّ واحدة منهنّ أنّها ضحيّة كلّ الرجال مع أنّها لم تعرف رجلاً. وأنت تعلم بلا أدنى شكّ أني قاسية القلب وسليطة اللسان، مع أنّي أحاول، ولو بغير جهد حقيقيّ، أن أتغيّر، لذا لجأت إليك لتقوم عنّي بمهمّة إبعادهم بوسائلك المحبّة اللائقة.
يا ربّ! أنا مستعدّة للعمل طوال ساعات الليل والنهار، وهذا ما أفعله كما تعلم، وللمتاجرة بالوزنات التي أعطيتنيها، ولمساعدة المحتاجين على قدر طاقتي وقدرتي، على مثال الأرملة ذات الفلس، غير أنّي أسألك في المقابل، وأنا أعترف بضعفي البشريّ وبخطاياي الكثيرة وبكبريائي وأنانيّتي وجهلي، أن تحميني من الثقيلي الدم المقتنعين بأنّهم خفيفو الظلّ، ومن الأغبياء الذين يعتقدون أنّهم أذكياء، ومن الذين يقتحمون حياتي في مناسبات متباعدة وهم مقتنعون بأنّهم أصدقائي المخلصون وبأنّ صمتي أمامهم خجل، وأنّ ابتعادي عنهم تواضع ولياقة، وأنّ نظرات الغضب في عينيّ إشارات استغاثة.
يا ربّ! إنّي آسفة، ولكنّي ضجرت فعلاً من "العجقة" و"الازدحام" و"الثرثرة"، وصار من الواجب أن يفعل أحدنا شيئًا.
وبما أنّك تعرفني جيّدًا،ستفضّل حتمًا أن تتصرّف أنت. فلك الشكر سلفًا بالنيابة عنّي...وعنهم.
* النهار – الاثنين 12 كانون الثاني 2004

كأنّو كبرنا (2)


كانت الأعياد مناسبة حلم، صارت وقت للذكرى، ذكريات عن ناس مرقوا بحياتنا وفلّوا، عن ناس حبّيناهن ومرقوا، عن ناس ماتوا وبعدن بالبال ما ماتوا، عن خيبات منحاول نقتنع إنّا هيي يللي عملتنا...
كانت الأعياد ما تساع غيرنا، صارت الأعياد مطارح واسعة بتجنّ فيا ريح الحزن هيي وعم تسأل عن الناس يللي وحدن، عن الناس يللي موجوعين، عن الناس يللي مسافرين، وما عاد العيد غير ليلة طويلة ناطرة يطلع الضو

كانت الأعياد أكل وشرب ورقص بلا تفكير وتحليل وفلسفة، اليوم صارت علامات استفهام كبيرة عن كيف وليش ولأيمتى وشو بعد... كنّا ننطر العيد، صرنا ننطر التنزيلات يللي بعد العيد، كنّا زغار ويللي حولنا كبار، راحوا الكبار وصرنا نحنا كبار، وحدو العيد بعدو زغير ضايع بالعجقة

السبت، 30 ديسمبر 2017

... ثمّ قلْ ما تريد


قبل أن تضاف إلى سنوات عمري سنة جديدة
قل لي إنّي ما زلت شابّة جميلة.
قبل أن تعلن ساعة منتصف الليل انتهاء عام وبدء عام
قل لي إنّي أصلح لكي أكون امرأة أحلامك.
قبل أن يطلق الناس الأسهم الناريّة في ليلة العيد احتفالاً بالعيد
قل لي إنّي المرأة المناسبة في المكان والزمان المناسبين.
قبل أن تكسر النسوة الصحون والأقداح الزجاجيّة ليتخلّصوا من شرّ السنة الراحلة
قل لي إنّي أيقونتك المرفوعة فوق مذبح أحلامك.
قبل أن يتعتع الفرح العقول ويطلق الألسنة بكلام لا تعرف صدقه من كذبه
قل لي إنّي ابتسامتك الدائمة وفرحك النابع من عمق أعماقك.
قبل أن أعتاد الضجر والوحدة واليأس والحزن قل لي
إنّ السنة القادمة ستكون أجمل من السنة الراحلة.
قبل أن يطلّ صباح اليوم الأوّل من السنة الجديدة
قل لي إنّ كلّ يوم من حياتنا سيكون يومًا أوّل من سنة جديدة، قبلها سهرة عيد وبعدها أمل أكيد.
قبل أن تبحث لي عن هديّة ثمينة
قل لي إنّي هديّة السماء إليك.
قبل أن تقرأ كلماتي
قل لي الكلمات التي أنتظرها لكي لا أقول أنّني أنعشت ذاكرتك وما كلماتك سوى صدى كلماتي.
قبل أن تنتهي السنة
قل لي كوني بخير لأكون بخير.
قبل أن يلتقي عقربا الساعة عند منتصف الليل ويتعانقا في حنان
دعنا نلتقي أوّلاً ثم قل لي ما تريد.

كأنّو كبرنا (1)

مغارة الميلاد في آلاسكا

كأنّو كبرنا (1)
كنّا نزور أربع خمس بيوت ع العيد، ونشوف ع الكتير أربع خمس شجرات للميلاد، وما كنّا نشبع منن، اليوم كيف ما برمنا منشوف شجر للميلاد: ع الطرقات، ع التلفزيون، ع مواقع التواصل، شجر من كلّ القياسات والموديلات، شي كلاسيك، شي صرعة، شي عجيب، شي غريب، شي حلو، شي بشع، المهم إنّو صار في شجر ميلاد أكتر ما في شجر بالطبيعة، تعب نظرنا، شبعت عيونا، وراحت الدهشة...

وكانت الشجرة تنحطّ قبل كم يوم من العيد، صارت تنحطّ قبل بشهر، وهيك بيخلص العيد قبل ما يبلّش، وكانت المغارة هيي القصّة كلّا، وكان فوق منها كم شلح من شي شجرة حدّ البيت... اليوم كبرت الشجرة يللي ما إلا غير ريحة الغبرا، وزغرت المغارة، ما عادت تساع رعيان وخواريف، وبرد يسوع...

الأحد، 24 ديسمبر 2017

كتاب مفتوح إلى المونسنيور منصور لبكي



كان من الممكن أن أكتب في مثل هذا اليوم الذي يسبق عيد الميلاد عن خالي ميلاد الذي تبكي أمّي رحيله في يوم عيد ميلاده، أو عن خالي سليم وعمّتي زوجته اللذين رحلا في فترة الميلاد أيضًا، أو عن كثيرين وكثيرات من عائلتي وأصدقائي رحلوا ولم يأخذوا معهم الحزن...
كان من الممكن أن أكتب عن المرضى والفقراء والوحيدين والمظلومين...
لكنّي اخترت أن أكتب لك عنك!
ربّما لأنّ ترانيمك باتت جزءًا من الميلاد، ربّما لأنّ أمّي تنسى البكاء حين تسمعك ترنّم للعذراء: أنت الشفيع الأكرم، وربّما لأنّني لم أعرف بعد ماذا أقول في قضيّتك العالقة...
***
لعلّك بريء يا أبانا من كلّ ما أنت متّهم به... لا بأس، فما الظلم اللاحق بك سوى مشهد من مشاهد الجلجلة.
لعلّك مذنب يا أبتِ في كلّ ما قالوا أنّك ارتكبته... لا بأس، فالكنيسة في حاجة إلى كهنة خطأة يعيدون إليها طابعها البشريّ المحتاج إلى طبيعة المسيح الإلهيّة... بعدما كثُر فيها مدّعو القداسة...
لعلّك بريء ومذنب في الوقت عينه... لا بأس، فهذه حالنا كلّنا!
لكنّك أيّها الكاهن المنتظِر كتبت ولحّنت ورنّمت، وهذا ما لم يفعله كثر من الذين يرجمونك. وبشّرت وساعدت وحنوت، وهذا ما لم ينبرِ للقيام به أكثر الذين يجلدونك بسياط جبنهم وتردّدهم. وتاجرت بالوزنات التي أُعطيتها، فربحت وخسرت، وهذا ما لم يجرؤ على القيام به أكثر الذين يرشقونك بسهام التجريح.
***
إنّ ترانيمك التي يتردّد صداها في كنائسنا ومدارسنا أبقى من عظات كثيرة، إنّ الكلمات البسيطة التي كتبتها لا تقلّ أهميّة عن كتب اللاهوت الصعبة، إنّ الألحان التي وضعتَها درجاتٌ في سلّم يرقى بك نحو السماء: تعال بيننا، قلبي مهيّا مغارة، انشالله القمحة، ليلة الميلاد، يا مريم يا ناي ألحان السماء، أترك كلّ شي واتبعني، علّمني حبّك يا الله، أنت وحدك دعوت... وغيرها وغيرها من صلوات يردّدها الناس وهم لا يصدّقون ما نُسب إليك.

وفي انتظار نهاية قضيّتك، لا يسعني اليوم سوى أن أشكرك لأنّ أمّي تنسى البكاء حين تسمعك مرنّمًا وتخاطبك هامسة: مش حرام شو عملو فيك...
***
من كلمات المونسنيور لبكي كما نشرها صديقه الإعلاميّ بسّام برّاك:
وهنا مقتطفات من النصّ اللبكيّ من داخل صومعتِه:
عندما نقول للمسيح : نعم، لا نزيد على تلك النَعم كلمة "ولكن".
خبرت حبَّ المسيح في كل مراحله؛ أمسك بيدي وسار بي على"ذوقه" لا على ذوقي. وفي ذلك راحة لبالي، لأنه الخبير الوحيد بالطريق ومعاثرِها، فكنتُ كالطفل المحمول على ذراع والده، يقطع معه العواصف والزلازل، فلا يهاب الأخطار لأنه في أيادٍ أمينة.
لما أصابتني سهامُ المكائد على حين غرَّه، كالصاعقة، إهتز كياني كله، فهرعتُ إلى الكنيسة أسأل الرب عمّا يحصل. فلم أستطع لفظ أيَّ كلمة لشدة الصدمة، بل أغمضتُ عيني وقد سالت منها سواقي دموعِ الاستغراب والغضب الكبير. وبرزت أمامي، لاشعوريا، مواقف المسيح، انطلاقا من نزاعه في بستان الزيتون، حتى صلبِه على تلة الجلجلة...
مئات المشاهد والعِبر من حياة المسيح وأقواله، تنزّهت في ذاكرتي وحرّكت مشاعري لتحولها من ظلام الشك إلى بهاء اليقين. فصرتُ سابحا في بحر هادئ لا يُعَكِّر هدوءَه سوى قلقي على ضعفاء النفوس الذين تعرفوا إلى المسيح او ازداد حبهُّم له، من خلال ما قرأوا أو سمعوا أو رتلوا معي لسنين طويلة.
من جراء محاولة تشنيع صورتي، يسعى أعداء الخير أن ينالوا من القطيع الباقي، ولكني سلّمتُ أمري للمسيح متمتما في قلبه: عذبني بما شئت وليصمد مؤمنوك في حبك.
في عزلتي، وكل يوم بعد يوم، زدتُ يقينا أن الرب وهبني، ودائما على طريقته، متسعا من الوقت لكي أجَسدَ نصَّاً ولحناً ما توصلت إليه من اختبارات روحية، والذي ما كنتُ قادراً على القيام به من دون هبوب تلك العاصفة الهوجاء، نظرا لضيق الوقت ولكثرة الانشغال بأمور روتينية. فاستجبت لمشيئة الرب السرية، ورحتُ أكثِرُ القراءات والتأملات، منقبا في الكتاب وحياة الشهود العمالقة في مسيرة الإنجيل.
فمن بنات تاملاتي وغوصي في تصوير ما أغرف مِن غِنى روحي من الكتب الصديقة التي لازمتني في منفاي العجيب، تمكنتُ بعد عناء مُضْنٍ وتأملٍ طويل، أن أضٓعَ بعض الأناشيد وهي باقةٌ من بساتين متعددة.
ألحان جديدة ونصوص من وحي الامتحان الذي أرادَني الرب اجتيازه.
هذا هو جوابي على ما تعرضت من كذب وبهتان وظلم وهوان.
أشرب هذه الكاس "إستغفاراً" لساقيها. آمين

الأحد، 10 ديسمبر 2017

يوم تكلّم يوسف زوج مريم


يوم تكلّم يوسف زوج مريم

لماذا أنا؟
لماذا اخترتَ المرأة التي أحبّ من بين كلّ النساء لتكون أمًّا لابنك الوحيد؟
لماذا طلبت منّي أن أسهر عليها وعليه كزوج وأب من دون حقوق الزوج أو سلطة الأب؟
هل تعرف ماذا يعني أن تكون قريبًا إلى هذا الحد من المرأة التي تحبّها، وتعشق رائحة ثيابها، وحركة يديها وهي تحضّر الطعام، وكلامها وهي تحادث الجارات، ولا تملك الحقّ في الاقتراب منها؟
هل تعرف ماذا يعني أن أكون أنا الرجل العاشق المنتظر ليلة لقاء عروسه محرومًا من لمسة يدها، ممنوعًا من التفكير بذلك؟
مذ عرفتها وأنا أحلم بها، فإذا بك تقتحم أحلامي لتحدّثني عن أنّك اخترتها واخترتني لدورين آخرين، حتّى صرت أخشى أن أنام. مذ أحببتها وأنا أخطّط لزواجي منها، فإذا بك تعرقل خططي وتجعلها عروسًا سماويّة، وهيكلاً مقدّسًا لوحيدك.
يدعوني الناس البار والبتول، ولا يعرفون كم عانيت لأقنع نفسي أنّي يجب أن أكون كذلك. وهل يمكن أحدًا أن يتصوّر ماذا يعني أن تحبّ المرأة الوحيدة في العالم التي يريدها الله؟
أنا منذور لها وهي منذورة لابنها.
أنا أتألّم لحرماني منها، وهي تتألّم من خوفها على وحيدها.
أنا رجل العائلة والكلمة ليست لي، بل لمن يقول عن نفسه أنّه الكلمة وأنّه سيصير الجسد.
من أين لك هذه الثقة بي لتأتمنني على من تحبّ؟
وهل تعرف ماذا يعني أن تحمّلني هذه الثقة؟ هذه المسؤوليّة؟
أنا أفكّر فيها كامرأة، وهي تصلّي لك كإله.
هي تحضّر لي الطعام، وابنها يحضّر نفسه ليكون طعامًا لسواه.
أنا أنظر إليها وهي تغسل ملابسي، وهي تنظر إلى ابنها وهو يغسل أرجل تلاميذه.
لا ترسل إليّ ملاكك الرسول في الحلم، ولا تتعبه في نقل أوامرك. لقد قبلت منذ زمن وانتهى الأمر. ولكن لا تطلب منّي أن أنسى كيف أحببتها. لا تطلب منّي أن أنظر إليها كأمّ ولا أرى المرأة التي فيها. لا تطلب منّي أن أغمض عينيّ عندما نكون في بيتنا الصغير. لا تطلب منّي أن أمتنع عن التقاط نغمات صوتها وهي تتحدّث عن ابنها. لا تطلب منّي أن أحتمل كلام الناس وهم يسخرون من ابنها الذي ولد قبل أن تمضي تسعة أشهر على زواجنا. لا تطلب منّي أن أكون قدّيسًا في وقت كنت أريد أن أكون رجلاً متزوّجًا وسعيدًا.
كيف اخترنا أنا وأنت المرأة نفسها؟ فأنا اخترتها منذ بداية وعيي على الدنيا وأنت اخترتها منذ البداية البداية. وما دمت قد سبقتني فلماذا سمحت لي بالوقوع في هواها؟ فلو كنت أعلم أيّ مخطّط رسمته لنا لمنعت نفسي ربّما عن هذا الحبّ. غير أنّك تعرف ماذا تفعل. لا شكّ في ذلك. تركتني كي أقع في غرامها، ثمّ أعلنت لها عن اختيارك لها، وكنت تعلم أنّها ستوافق لأنّها تحبّك، ثمّ طلبت منّي أن آتي بها إلى بيتي وأحميها من ألسنة السوء وكنت تعلم أنّي سأقبل لأنّي أحبّها.
أيّ مخطّط ذكي هو ذاك الذي تمّ؟
باسم الحبّ وبسببه، قبل كلّ منّا تنفيذ المهمّة التي أعطيت له، ولم يتراجع حتّى اللحظة الأخيرة، متحديًّا الألم والرغبة والحرمان.
أيّ حبّ أعظم من هذا؟

    

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

الكاتبة ماري القصيفي : الدول العربية تدفع ثمن تخليها عن القدس (حوار مع الصحافيّة لمى نوام - وكالة أخبار الشرق الجديد) 2013




هي شاعرة وقاصة وروائية وإعلامية وتربوية من مواليد منطقة الريحانية في بلدة بعبدا. تعمل في المجال التربوي وكتبت لأكثر من عشرين سنة في الصحافةالثقافية،تشرفعلىمدونةباسم"صالون ماري القصيفي الأدبي وعنوانها:www.mariekossaifi.blogspot.com وصدر لها تباعًا: لأنك أحيانًا لا تكون، رسائل العبور، نساء بلا أسماء، الموارنة مروا من هنا، كل الحق ع فرنسا وهي رواية حازت جائزة حنا واكيم كأفضل رواية لبنانية لعام 2012، وأحببتك فصرت الرسولة. 

كان لوكالة أخبار الشرق الجديد لقاء صحافي معها: 

شاعرة وقاصة وروائية وإعلامية وتربوية...أين تجد ماري القصيفي نفسها؟
لكلٍ منا جوانب متعددة لشخصيته يكتشفها في كل ما يمارسه في الحياة إن على صعيد العمل أو الهوايات. فأنا مثلًا أجد في الشعر شخصيتي الحرة الثائرة، وفي الرواية أحقق رغبتي في هندسة الكون والتحكم في حيوات ناسه، وفي الإعلام أشبع نهمي إلى التواصل، وفي التربية أسعى لإحداث فرق...


 بما أن الأدب هو ابن بيئته هل تتأثر الكاتبة ماري القصيفي بقضايا البيئة التي تعيش فيها؟ 

لا أكتب بمعزل عما يدور حولي. لذلك تصب نصوصي النقدية والشعرية والقصصية في علم الاجتماع، إذ لا يمكن في رأيي أن يكون الإنسان، وهو مادة الكتابة وجوهرها وغايتها، سوى كائن اجتماعي مهما اعتزل وزهد وتنسك. والدليل أن إنسان اليوم ولو قبع في غرفته طيلة اليوم يبقى على تواصل دائم مع ما يجري حوله، عبر وسائل الاتصال والتواصل. فضلًا عن أن عملي في التربية لأكثر من خمسة وعشرين عامًا وضعني على تماس يومي مع مشكلات المراهقين وهي تتزايد يومًا بعد يوم، وواقع العائلات الاجتماعي والنفسي تحت وطأة الظروف التي نمر بها. 

 ما هو نتاجك الجديد؟ وهل تشاركين في أنشطة غير الكتابة؟
  
أنا الآن في خضم كتابة رواية عن حرب الجبل، وهناك مجموعة أعمال تنتظر أن أجد الوقت لها، بعضها شعري وبعضها دراسات اجتماعية وأدبية. وقد سبق وأشرت إلى نشاطي في عالم التربية الذي أغنى تجربتي الكتابية وإن أخر انطلاقتها. لذلك فإن أحد كتبي الجديدة هو عن التربية ويحمل عنوان "علمني التعليم". ولي تجربتان في الترجمة عن الفرنسية واحدة لرواية قاديشا لاسكندر نجار والثانية لرواية جمهورية الفلاحين لرمزي سلامة. 

متى كانت بداية تجربتك مع الكتابة؟ وماذا يعني لك هذا التاريخ؟ 

أعتقد أنني مذ بدأت الكتابة على مقاعد المدرسة لم أتوقف عما وجدت فيه وسيلتي للتعبير. الكتابة بالنسبة إلي– وليس بالضرورة النشر – كالتنفس تمامًا. لذلك أبدو طوال الوقت كمن تكتب في رأسها منتظرًة أن يسمح لي الوقت بنقله الى الورقة أو ذاكرة اللابتوب. وقد ساعدتني وسائل النشر الحديثة كالفيسبوك وتويتر والمدونة التي تحمل اسمي على أن أجد أكثر من مكان لنشر ما أكتبه من دون الخضوع لإيقاع الصحافة الثقافية أو حركة النشر. 

ما هي المواضيع التي تشدك لمعالجتها؟ و أين المرأة من هذه المواضيع؟ 

كتبت لمدة سنة تقريبًا في صحيفة البلاد البحرينية زاوية يومية تحت عنوان "الكتابة بمزاج امرأة". فالمرأة التي هي أنا حاضرة دومًا، وبالتالي الموضوعات التي تتعلق بالمرأة تعنيني ولكن ليس بمعزل عن مسائل أخرى كالحرية والأمية والطفولة والشيخوخة والبطالة والتربية وسواها من القضايا المتعلقة بتركيبة المجتمع وهوية الوطن. حتى في نصوصي الشعرية التي تتناول الحب لا أبتعد عن التحليلين النفسي والاجتماعي لهذا الشعور الغامض والجميل، فالحب الذي لا يثمر شيئًا جميلًا (أولاد، مشاريع، إنجازات، كتب...) ليس حبًا بالمعنى الذي أفهمه وأعيشه. 

 بين البعد المرتجى وحقائق الواقع، من يلهم ماري القصيفي؟ 
أؤمن بالعمل وممارسة الكتابة أكثر من إيماني بالإلهام. وإن كنت مرات لا أعرف من أين تأتي الأفكار والصور. لكني بالتأكيد لا أكتب لأغير واقعًا خارجًا عني، بل أكتب لأتغير أنا مع كل نصأكتبه، كما أتغير مع كل نص أقرأه. 

 هناك قول إن المرأة تملك جسدها، هل أنت مع المرأة في أن تفعل بجسدها ما تشاء كونها تملكه؟ 

طبعًا تملك المرأة جسدها، لكن لا كما تملك سيارة تبيعها لمن يدفع السعر الأعلى. الجسد هيكل الروح، والروح الحرة لا يسعها جسد، لكن الحرية لا تعني أن نقتل الجسد أو نهينه أو نتركه عرضة للمرض والألم ولا أن نخنقه بالكبت والحرمان والقيود. لذلك كتبت كثيرًا عن موضوعَي العري والحجاب لا من باب الأخلاق والدين بل من باب فلسفة المغزى ومحاولة فهم التطرف في كلا الأمرين. والمرأة التي تنادي بحقها في أن تفعل بجسدها ما تشاء عليها أولًا أن تحرر حسابها المصرفي من سلطة رجل يصرف عليها المال، وأن تحترم أجساد المرضى والمعوقين والأطفال المصابين بشتى العاهات والأمراض. فثمة أمور في رأيي أكثر أهمية من موضوع جسد المرأة الذي هو لا عورة نخجل بها ونستحي ولا بضاعة نعرضها في الأسواق. وكل تطرف يستدعي تطرفًا مقابلًا. 

إلامَ تهدفين من خلال المزج بين العامية والفصحى؟ وكيف تجد الشاعرة ماري القارئ العربي؟ 

العامية لغتنا اليومية، وأنا لا ألجأ إليها إلا لضرورات فنية يفرضها العمل الأدبي، كما في عنوان روايتي "كل الحق ع فرنسا"، وفي حوارات الشخصيات، لكي يبدو الأمر مقنعًا وطبيعيًا. ومع ذلك فهي عامية مدروسة إلى حد كبير، فلا يجد القارئ غير اللبناني صعوبة في فهمها.  
أما سؤالك عن القارئ العربي فيستدعي سؤالًا آخر: أين النص الذي يجذب القارئ العربي بدءًا من مقاعد الدراسة؟ لن نجد قارئًا عربيًا حقيقيًا قبل أن يولد لنا كاتب عربي حر، وقبل أن توضع مناهج تربوية حديثة. 

ماذا يمثل الرجل في حياة الشاعرة وفي حياة ماري القصيفي؟ 

الرجل هو الشريك الكامل المتمتع بالحرية والشجاعة والمعرفة ... أنجبه كل يوم من فكري في نص جديد. 


كانت لك زاوية أسبوعية في جريدة النهار اللبنانية تحت عنوان: أضواء خافتة، وكنت تكتبين باسم مستعار هو «مي الريحاني». ما السبب في ذلك؟  وأين كنت مرتاحة أكثر في الكتابة باسمك المستعار مي أم الآن  باسمك الحقيقي ماري؟ 

الاسم المستعار كان قبل الزاوية الأسبوعية "أضواء خافتة". واللجوء إليه في البداية كان بسبب عملي التربوي الذي جعلني حذرة أمام التوفيق بين جرأتي في الشعر والنقد والتزامات العمل التربوي. ثم أعجبني الأمر حين راحت تكثر التساؤلات عن هويتي الحقيقية، إلى أن حسم الأمر الشاعر الكبير شوقي أبي شقرا الذي أدين له بفضل كبير في انطلاقتي باسمي الحقيقي في جريدة النهار.

في كتابك «الموارنة مروا من هنا»، لماذا استبدلت القاف بالهمزة في عنوان الكتاب فكتبت «بألم» بدلاً من قلم؟ ما هي صرخة الألم التي أرادت ماري القصيفي أن توجهها؟ 

صرخة الألم أردت إطلاقها بدءًا من الغلاف للتنبيه إلى الواقع المارونيالمتشرذم، الذي انعكس على الفكر والتربية والمجتمع، وما يحصل في طائفة ينعكس حتمًا على الطوائف الأخرى بسبب تركيبة لبنان. في اختصار أردت القول إن دور الموارنة بدأ بمهمتين رسوليتين هما الحرية والعلم، ولكنهم مع الأسف تنكروا لهذين الدورين، ما أدى بحسب رؤيتي الخاصة إلى كل ما يحصل اليوم في هذه البقعة من العالم. 

ما هو في رأيك مصير البلدان العربية بعد الربيع الذي اجتاحها؟ هل أنت مؤمنة بأن هذه الثورات حملت التغيير المنشود؟ 

ما حصل ويحصل ليس ربيعًا وليس ثورة, لقد كنت من أوائل الذين كتبوا في الصحافة عن هذا الأمر، وجوبهت باعتراضات كثيرة، لكني ما زلت مقتنعة برأيي: فكل تغيير يغيب عنه الفكر ليس سوى زلازل عنيفة لا أحد يعرف كيف تنطلق ومتى تهدأ وماذا تترك خلفها. لذلك علينا أن ننتظر وقتًا طويلًا قبل أن نتبين ملامح المرحلة المقبلة، لكن المخاض سيكون عسيرًا وطويلًا.
  
كلمة ختامية جريئة البوح؟

الجلجلة بدأت من فلسطين، ولن تكون القيامة إلا هناك. وما يجري في الدول العربية اليوم ما هو إلا الثمن الذي ندفعه كلنا لأننا تخلينا عن القدس. 

لمى نوام

وكالة أخبار الشرق الجديد

الأحد، 3 ديسمبر 2017

عمّتي إميلي روزنامة الأعياد (2015)

سليم وإميلي يراقبان سرب طيور

يكاد أربعون عمّتي إميلي يقترب والكلمات لا تزال تهرب منّي، كما تهرب فرحة الأعياد من قلوب الحزانى. لعلّني رأيت في موتها تمرينًا على موت صرنا نخشى أن يحصد كبار العائلة، وهذا ما يجعلني أحاذر الاعتراف برحيلها، لعلّها تبقى بعد أكثر...
عمّتي روزنامة الأعياد التي سقطت آخر ورقاتها منذ أكثر من شهر، وجارور الحلويات الذي أغلق إلى الأبد، عمّتي المريضة الأنيقة رحلت، والليلة، ليلة عيد البربارة لا حلويات من صنعها ولا مائدة تستعدّ لعيد الميلاد.
لكأنّ الأعياد بلا أمّهات ليست أعيادًا. أو كأنّ الأولاد يكبرون فجأة حين تموت الأمّهات، والأحفاد يغادرون الطفولة على عجل حين تموت الجدّات. أو كأنّ نكهة الأطعمة لا تعود هي نفسها، ورائحة البيت تفقد الكثير من خصوصيّتها.
عمّتي ليست صغيرة، لكنّ أوجاعها هي التي كانت كبيرة، وهذا ما يبكينا ونحن نتذكّر حياتها ومعاناتها وهي لا تعرف أنّها مصابة بالسرطان الذي ترافق مع غسل الكلي.

لكنّي الليلة أكتب وأنا أرى إلى أمّي تغالب دموع الحزن على المرأة التي كانت ابنة حميها وزوجة أخيها في الوقت نفسه، وتزرع الحبوب في صحون الفخّار بركة تستعيض بها عن شجرة العيد.
أكتب لعلّ عمّتي تعود ولو قليلًا، فتداعب رأس زوجها الذي أقفلت الجلطة الدماغيّة مسار الحكايات فيه، وتعدّ الحلوى وهي تدّعي الصراخ والغضب على الأحفاد الذين يملأون البيت صخبًا وعيدًا، وتنشغل بالإعداد لعرس صغيرها عمر.
أكتب، لعلّ طعم السكّر يعود إلى الحلوى، ولعلّ المرأة التي صمتت تخرج من صورتها لتفتح الباب لأحفادها وأولاد الجيران المتنكّرين، ولعلّها تصطحب معها أحبّاء كثرًا رحلوا ولا يزالون يقيمون في جراح الذاكرة.
غير أنّني مع كلّ كلمة أكتشف كيف تصير الكتابة مزراب الدمع... 

هاشلة بربارة (2010)





(2010)

الليلة ليلة عيد القدّيسة بربارة التي هربت وتنكّرت لتحافظ على ما صارت تؤمن به.
الحرب أجبرتنا على عدم الاحتفال بهذه الليلة. قالوا لنا مع بداية الحرب: الاحتفال بهذه الليلة بات ممنوعًا، فمن يعلم أيّ شرّ يختبئ خلف القناع؟
فسكننا الخوف.
قبل ذلك، كانت الليلة للأقنعة الجميلة، للتفنّن باختراع الأزياء الغريبة، لتجميع الأتراب في الحيّ والجولة معهم على البيوت والغناء وتناول الحلوى. كانت ليلة الدهشة فحوّلوها ليلة الرهبة. فمن يجرؤ على فتح بابه للابس قناع في أزمنة الخوف من الآخر، أيًّا يكن الآخر؟
*****
الليلة، اتصلت بي إحدى قريباتي وسألتني إن قرع باب بيتنا أولاد يحتفلون بالعيد، فقلت لها: رحل العيد وكبر الأولاد. سألتني إن حضّرنا الحلويات، فقلت لها: البرَكة بالوالدة التي لا تزال تحضّر الحلوى بكميّات كبيرة كأنّ أطفال الحيّ سيأتون ويغنّون وتمتدّ أيديهم النهمة إلى صحون الحلوى التي ستفرغ قبل منتصف الليل.
سألتني إن كنت لا أزال أذكر كلمات الأغنيات التي يرشّها الأولاد على دروب القرى والبلدات وهم يتجوّلون بين البيوت بلا خوف أو قلق، فقلت لها: أنا وأنت ما زلنا نعرف هذه الكلمات، بعدنا من سيتذكّرها؟
*****
الليلة ليلة البربارة، وبربارة هاشلة هاربة من مضطّهديها،
تختبئ لتنجو، ونخبّئ وجوهنا خجلاً،
تختبئ لأنّها وحيدة، ونختبئ لأنّنا جبناء،
تختبئ لأنّها صغيرة، ونختبئ لأنّنا ممتلئون صغائر.
الليلة، بربارة هاشلة فعلاً
هاربة منّا نحن الذين ندّعي أنّنا نحميها ونحافظ عليها
هاربة من أولئك الذين تذرّعوا بقناعها اليتيم ليضعوا كلّ يوم قناعًا،
هاربة من مضطهديها ومدّعي حمايتها في الوقت نفسه.
*****
تفضّلوا وتناولوا معنا الحلويات التي أعدّتها أمّي،
فالصغار كبروا وما عادوا يدورون في الحيّ وهم يغنّون،
والمراهقون يسهرون في الملاهي،
والخائفون أوصدوا الأبواب على أولادهم في وجه أولاد الجيران المتشبّثين بوهم عيد.
تفضّلوا وكلوا معنا حلويات تقطر منها حلاوة الطفولة ومنها تفوح نكهة العيد
ولا تؤاخذونا إن غلبتنا دمعة الحنين للغائبين المقيمين في القلب. فملحها لنا ولا نشارك أحدًا فيه.

السبت، 2 ديسمبر 2017

من يوميّات الفيسبوك 2 كانون الأوّل 2017

الفنّان اللبنانيّ الأرمنيّ زهراب


(ع سيرة التعليم ومرة تانيه من وحي إضراب المعلّمين) شو الفرق بين المعلّم والمربّي؟

أوّلًا: بحبّ قول إنّي ما بحبّ كلمة مربّي لأنها بتذكرني بتربية الحيوانات، وبفضّل مطرحا كلمة مهذِّب، لكني رح إستعملا لأنّها صارت مستخدمة ومتعارف عليا
تانيًا: الفرق بين المعلّم والمربّي بيظهر بوضوح وقت الأزمات وخصوصا الإضرابات
تالتًا: المعلّم موظّف عندو دوام وساعات محدّدة وبرنامج مفروض يخلص، أمّا المربّي فما بيكفّيه العمر كلّو ت يوصّل رسالتو
رابعًا: المعلّم يوم الإضراب بيروح ع القهوة ياخد نفس أركيلة، المربّي بيحضر ع المدرسة يحضّر شغل لما بعد الإضراب
خامسًا: المعلّم إذا حضر ع المدرسة بيقعد بغرفة المعلّمين يشرب نسكافيه وقهوة ، بينما التلاميذ قايمين الدني، لكن المربّي إذا حضر ع المدرسة بيقعد بالصفّ وبيشرح للتلاميذ أسباب الإضراب وبيتناقش معن (إذا كبار) بموقف الإدارة والأهل والدولة، وإذا زغار بيعلّمن شو يعني حقوق وواجبات... أو ع القليلة بيقعد يناظر حتى ما حدا من التلاميذ يئزي حالو أو غيرو 
سادسًا: المعلّم بيقول جبرونا نجي ع المدرسة فخلّين يتحمّلوا النتائج، بينما المربّي بيقول التلاميذ شو ذنبن، والنظّار يللي عم يتحمّلوا الفوضى هنّّي كمان زملاء إلنا ومفروض نتعاون معن ت نمرّق الإيّام بأقل ضرر ممكن ع الجميع
سابعًا: في كتار تعرّفت علين بعالم المدارس يللي اشتغلت فيا كنت مفتكرتن مربّين بس طلعوا معلّمين ، وهيدا بيدلّ على إنو مهما كبرتْ بالعمر وزادت خبرتي بيضل بدّي عِلم ت ما صدّق حدا بس يقلّي إنّو بيحب التعليم والتلاميذ وما بيطيق يقعد بالبيت
فيا عيب الشوم ... عليي
(2017)

***
أنا أبرع معلّمة في العالم
علّمت قلبي كيف يبكي بلا دموع
(2014)
***
الكتابة فعل استغاثة
***
كيف تسألني عن حالي وأنت حالي؟
***
صلاة يوم الأحد:(2012)
صباح الخير يا الله! أريد فقط أن أطمئنك إلى أنّني واثقة من أنّك لست من يقف وراء نجاح الحركة النسائيّة اللبنانيّة المتمثّلة بالسيّدات مريم نور وتيتا لطيفة وليلى عبداللطيف! يكفي أن يكون مجموع الحروف الأولى لأسمائهنّ يكوّن "ملل"، كي نعرف أنّك بريء من هذا التطوّر النوعيّ! 

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

يعبر ملكًا (النصّ الثاني من كتابي رسائل العبور - 2005)



كملك يعبر شوارع مملكته في يوبيله الذهبيّ ثمّ يعود إلى قصر البُعد والارتفاع. هكذا يعبر صديقي الآن. أنظر إليه وألوّح له كسائحة وُجدت صدفة بين رعايا مملكته، ولا تستحقّ أكثر من نظرة ملكيّة عابرة.
وحين يعود صديقي إلى قصره، لن يتذكّر سوى الجموع التي كانت تتدافع على جانبي الطريق، ولكنّه، لن يستطيع، مهما حاول، أن يتذكّر وجهًا واحدًا منها.
والصديق العابر كملك، لا يُظهر اهتمامه بمشاكل الرعيّة. وحين ينزل عن عرشه ويزور الناس يبدو راغبًا فقط في الاستماع إلى ما يقولونه عنه، وكيف يصفون حدائقه الجميلة المحيطة بقصره، والشوارع الفسيحة التي تكاد لا تتّسع لموكبه، والعربة المذهّبة التي لا تليق إلاّ بأمثاله. وعندما يبدأ أبناء المملكة بالحديث عن أنفسهم يضجر الملك ويتثاءب ويدخل إلى قصر نومه كبطل في مسرحيّة انتهت عروضها مع نهاية الموسم. ولكن يحلو لي أن أؤمن بأنّ صديقي، الذي يعبر كملك، ينهار خلف الستائر المسدلة على مسرح حياته، ويكتم تعب الأيّام تحت قناع الصمت، ويخبّئ حزن الأمكنة وراء لامبالاته بمن حضر وبمن غاب عن احتفالات تنصيبه.
أعرف أنّ صديقي لا يعرف ما أعرفه. وإن عرفه فلن يعترف به. ولن يقبل أن تصدر صحف المعارضة في مملكته لتشير إلى خلل في رؤياه المستقبليّة، سببه تفسّخ في جدران قصره القائم على أسس الماضي الواهية. ولكنّي أحبّ صديقي الذي يعبر الآن إلى قصر غيابه. ولأنّني أحبّه أحاول أن أومئ له لأشير إلى المتربّصين بعرشه، إلى التشقّقات في سقف مملكته، والحُفر أمام عربته، ولكنّه دائمًا كان يظنّ أنّني ألوّح له كسائحة غريبة عن تقاليد مملكته فيردّ عليها متسامحًا ويمضي.
أحبّ صديقي الذي يهيّئ الآن احتفالات عبوره. ولأنّني أحبّه سأتركه يرحل إلى حيث يريد، وسأشهق بالبكاء كمراهقة أمام موكب نجم عالميّ، وسأكتفي مثلها بذكرى اللقاء العابر أخبر عنه الأيّام الآتية. وسأكتب على الجدران كالمقاتلين الذين يتركون على حيطان متاريسهم آخر كلماتهم: صديقي مرّ من هنا، ومضى. وعندما يحلّ السلام، وتُمحى كلمات المعارك من ذاكرة البيوت التي عاد إليها أصحابها، سأتذكّر أنا، آخر المقاتلين، أنّ صديقي الذي مرّ من هنا ومضى إلى مجد طموحه، كان ذكيًّا فترك ساحة المعركة قبل أن تمزّقه أمّ المعارك وأشرسها، تلك التي يواجه فيها الإنسان نفسه.
يدخل صديقي العابر ضباب الذكرى وهو لا يزال هنا، أنظر إليه وهو أمامي مباشرة، على مسافة أصابع، وأقنع نفسي بأنّه ليس هنا، وبأنّ الذي أراه ليس إلاّ طيفه يعود إلى حيث كنّا نلتقي.
أترك المسافة بين الواقع والآتي. أحاول أن أفيد من الجرعة الأخيرة من دواء مفقود، من القطرات الأخيرة من العطر الهديّة، من لمسات الشمس الأخيرة قبل موسم البرد، من مرور نيزك في لحظة نادرة من ليل أسود.
أرغب في أن أمسك الآن يد صديقي العابر، المشغول حتّى الاحتفال بلحظات عبوره الملوّنة بألوان رغباته المتناقضة. ولكنّ يده مشغولة بالتلويح للجماهير المجتمعة حول عربته الذهبيّة، وهو يمرّ كملك جميل آت من حكاية قديمة، ليعبر إلى مخيّلة طفلة، أخبرتها جدّتها بأنّ الحلم هو الحياة.


السبت، 18 نوفمبر 2017

في غياب رجالات الوطن - 2011


الرجل الكرسي

لم نكن نستعمل كلمة "رجالات" إلاّ لربطها بالوطن. ومنذ صار الوطن ورقة خريف في مهبّ الرياح، غابت الكلمة من قاموسنا وحلّت مكانها مفردات كثيرة لا توحي بالأمان: زعماء، شهداء موتى وشهداء أحياء، قادة أحزاب، رؤساء، شيوخ، بكاوات، رفاق، أساتذة، جنرالات.

حين كنّا على مقاعد الدراسة، كان كتاب التاريخ مسرحًا لرجالات الوطن والاستقلال وسجلاًّ لأساطير وحكايات عن البطولة والحروف الأبجديّة ولون الأرجوان ومرور الفاتحين ورموز الآثار والكتابات، ولم يكن يعنينا أن نطرح علامات استفهام عن حقائق الأمور وخلفيّاتها السياسيّة والإقليميّة والدوليّة، كنّا نريد وطنًا فوجدناه بين دفّتي كتاب وفي قوافي القصائد، واكتفينا. ربّما لأنّ الذين علّمونا كانوا كذلك مؤمنين بما في الكتب، أو ربّما لأنّهم كانوا يخشون مثلنا أن يطرحوا الأسئلة المحرجة، فكنّا ندخل كلّنا، معلّمين ومتعلّمين، إلى كتاب التاريخ ونعود محمّلين أمجادًا وانتصارات حقّقها رجالات الوطن.
لم يكن هناك شهداء أفراد على ما أذكر، أو على الأقلّ لم يكونوا بالأعداد التي نتباهى بها اليوم، كانت المدن بكاملها تغلق على نفسها الأبواب وتحترق بكلّ من فيها كي لا تقع في أيدي الأعداء المحاصرين أسوارها. أمّا الآن، ففي كلّ يوم شهيد، والأيّام عند العرب هي المعارك، ونحن نتعارك بسبب الأيّام، ولا أحد يريد أن يتعلّم أنّ ثمّة يومًا لك ويومًا عليك، ولا يدوم ملك إلاّ لصاحب الملك.

تفضح اللغة المتكلّمين بها. لذلك لم نعد نستعمل كلمة رجالات، ولا كلمة أيّام، بل صارت المصطلحات أرقامًا تشير إلى أحزاب وتيّارات، وتواريخ تؤكّد أن لا تاريخ متّفقًا عليه. وخلوّ اللغة من معاني البطولات وامتلاؤها بكلمات التضحية والشهادة يعني أنّنا صرنا نحتفل بالموت أكثر من احتفالنا بالحياة، وأنّ رهاننا على الذين رحلوا أقوى من ثقتنا بالذين بقوا. ومع ذلك لم نتفق عليهم، ووزّعنا أوراق الروزنامة على عدد الشهداء، كي لا يعتب أحد، ووزّعنا الأدوار كي تتاح الفرصة للخطباء كلّهم للكلام، ووزّعنا الساحات كي يجد الجميع أماكن لهم، ووزّعنا الأعلام كي يبدو المشهد مؤثّرًا، ووزّعنا المظلاّت في حال أمطرت السماء، ووزّعنا الملصقات على السيّارات والأزرار على الصدور، ووزّعنا رجال الأمن، والكاميرات، والصحافيّين، والباصات على القرى والبلدات، والأموال على الأتباع، فهل يصعب علينا بعد ذلك أن نوزّع البلد حصصًا ومقاعد نيابية على قياس المصالح لا على قياس الوطن.
هل نجرؤ اليوم على الحلم برجال لمستقبل آت، فتنضم الألف والتاء علامتا التأنيث إلى رجولة السياسة ليعود لنا وطن لا تختصره كتب التاريخ ولا يخشى الأسئلة عن انتمائه لأنّه لن ينتمي إلاّ إلى نفسه من دون انعزال ولا تبعيّة؟


الجمعة، 10 نوفمبر 2017

فلتمطر السماء ولتهتزّ الأرض (2011)







     ضجر الكون منّا، وملّ الناس في بقاع الأرض أخبارنا، وتخلّت عنّا حكومات العالم، ولن يكون لنا خلاص إلاّ بطوفان يغرق قبحنا وعهرنا وغرورنا، أو زلزال يدمّر معابدنا وأنفاقنا وأبراجنا. لعلّ المصيبة تجمع الناجين منّا بعدما فرّقتنا الأهواء والنزعات والأطماع. الحروب جرّبناها، واتفاقات السلام أثبتت سذاجة رُعاتها والمراهنين عليها، وحكومات الوحدة الوطنيّة بيّنت كم نحن مشرذمون، فلم لا نجرّب فناءً لا يبقي ولا يذرّ، أو كارثة طبيعيّة لا نتّهم أحدًا بها، أو موتًا جماعيًّا يولد من رماد ضحاياه شعب جديد؟

     أؤمن بأنّنا صرنا نستحقّ عقاباً من هذا النوع بعدما أُعطينا الفرصة تلو الفرصة لكي لا نخسر الفردوس مرّة جديدة. إنّنا اليوم مشاريع شؤم وفساد ونتن. الأب المتحمّس لزعيمه مشروع فجيعة يتحقّق لحظة يروح ابنه ضحيّة هذه الحماسة، والأمّ المتعصّبة لمذهبها مشروع ثُكل يبدأ العمل به متى اصطاد التعصّبُ المواجه وحيدتها على قارعة الطريق، وطلاّب الجامعات مشاريع قيد التنفيذ تحويلهم قنّاصين وسفّاحين ومجرمي حرب أو مخطوفين ومعوّقين ومدمنين. وحين يتحكّم الغباء بالأبوّة، وتتغلّب القسوة على الأمومة، وتغرق صروح العلم في الجهل والتطرّف، يزول كلّ أمل وينطفئ كلّ رجاء ويحيق الموت البطيء المرعب الموجع بكلّ حيّ. عند ذلك، لا بدّ للسماء من أن تُشهر علينا بروقها، وتصرخ بنا مرعدة، وتمطرنا بمياه معموديّة تخلّصنا من شرورنا أو بنار وكبريت يأكلان آثامنا، ولا بدّ للأرض من أن تهتزّ تحت أقدامنا وتقذفنا بلهب باطنها، ثمّ تبتلعنا لتطهّر وجهها من دنس وجودنا.

     سئم منّا الجميع، ولم نسأم من التقاتل. تعب منّا الجميع ولم نتعب من الكذب والخداع والتذاكي والسرقة والقتل. استسلم العالم أمام جنون ما نحن فيه وأوصد أبوابه في وجه وقاحتنا، ولم نتوقّف عن تسوّل المناصب والثروات وجوازات السفر. فلتمطر السماء غضبًا، ولتهتزّ الأرض اشمئزازاً، قد أدّى هذا الوطن رسالته، وانتهى دوره، وصار على اللبنانيّين أن يعترفوا بأنّهم لم يستحقّوا هذه الأرض، وبأنّ الشعارات التي رفعوها في تمجيد أنفسهم والتبشير برسالة بلدهم ونشر حضارتهم صارت كلّها ذكريات جميلة تروى لأطفال يعرفون أنّ ما يسمعونه ليس إلاّ حكايات تجمع ما بين الماضي والمتخيّل ولا علاقة لها بالواقع. وما علينا الاعتراف به الآن من دون تردّد أو خجل، هو أنّ هذا البلد ليس طائرًا يطير بجناحيه المسيحيّ والمسلم، بل هو طائر يرقص رقصته الأخيرة بسبب المسيحيّ والمسلم، وهو لم يعد بلد الرسالة الحضاريّة، بل بلد الرسائل الملغومة ما بين القوى الإقليميّة، وليس صحيحًا أنّه أكبر من أن يُبلع وأصغر من أن يُقسّم فقد تقاسمته وحوش الجشع وابتلعته حيتان الطمع وانتهى الأمر. وصار من السخف أنّ نردّد أنّ اللبنانيّ ناشر فكر وعلم بعدما صار ناشر عرض وعهر، ولم يعد عندنا حروف أبجديّة نصدّرها، بعدما شوّهنا الحروف والكلمات حين مسخناها تسميات تثير السخرية والبكاء.


     لا شكّ في أنّنا ننتفض ما بين حين وآخر على تشاؤمنا، ونقرّر ألاّ نرضخ لسوداويّة واقعنا، فنقول بأنّنا في أزمة وسوف نخرج منها كما فعلنا سابقًا، وبأنّ تاريخنا يشهد على أنّنا شعب يحبّ الحياة ولا يعرف الهزيمة. ثمّ ماذا؟ وإلى متى نستمرّ في خداع أنفسنا ونحن نتوهّم أنّ الوطن الذي كنّا نعرفه لا يزال هو نفسه أو أنّنا قادرون على اجتراح أعجوبة نفض الموت عنه وبثّ الحياة فيه، الحياة اللائقة الكريمة العظيمة. نتصرّف كالمريض الذي يرفض الاعتراف بمرضه فيؤخّر علاجه واحتمال شفائه. وسنكون أشدّ الناس مكابرة إن لم نعترف بأنّ وطنًا آخر يتكوّن على حساب الوطن الذي قتلناه ونطعنه كلّ ساعة للتأكّد من أنّه لن يقوم من موته، وبأنّنا نزداد طائفيّة ومذهبيّة وتحزّبًا وتقوقعًا وحقدًا ومرارة وكرهًا وغضبًا وجهلاً وغباء ونرفض الاعتراف ولو بجزء من ذلك.

أنا شخصيًّا لم أعد أريد أن أضع اللوم على "الآخر" في ما ينتظرني في هذا البلد، أيّاً تكن هويّة هذا "الآخر". فليكن غضب السماء علينا هو سبب موتنا وليأت الطوفان الغامر على عجل؛ وليكن ضيق صدر الأرض منّا هو سبب فنائنا، وليقع الزلزال المدمّر في أسرع وقت. ولتأت النهاية على غير يد الناس ولنضع اللوم على الطبيعة، فقد تعبنا من مقاومة بعضنا وتخوين بعضنا وإلغاء بعضنا، وآن أوان الاعتراف بهزيمتنا الحضاريّة والإنسانيّة، فقد نجد سلامنا الداخليّ حين نتوقّف عن تصديق هذه القصيدة الجميلة التي اسمها لبنان، والتي حوّلها ضيقُ أفُقنا موضوع إنشاء سخيفاً يُفرض على تلامذة المدارس المنتظرين موعد الرحيل عن هذا البلد إلى غير رجعة.
***
صحيفة النهار - الثلاثاء 25 كانون الثاني 2011

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.