2011
كانت العادة في قريتي وفي كثير من القرى والبلدات المسيحيّة أن
تحضّر العروس ثوبًا أسود رسميًّا خاصًّا بالمآتم، وذلك في الوقت نفسه الذي تحضّر
فيه ثوب العرس الأبيض.
إنّه الموت الكامن في
قالب الحلوى، أو الذي يطفو على سطح حقيبة الملابس التي لم تُلبس بعد، بل حضّرت
لتبدأ بها العروس رحلة العمر الجديدة.
فستان العرس يلبس
مرّة واحدة، ثمّ يخبّأ إذا كان لصاحبته، أو يعاد إلى مالكيه إذا كان مستعارًا أو
مستأجرًا. أمّا الثوب الأسود فهو للعروس بلا منازع أو شريك، تضعه في الخزانة، في
أقرب مكان تصل إليه يدها في سرعة متى ارتفع الصراخ في القرية، أو دقّ جرس الكنيسة
حزنًا، ليعلن وفاة صار من الواجب أن تشارك العروس في مراسمها. لا أحد يعرف متى
يأتي السارق، ولذلك على الفستان الأسود أن يكون حاضرًا وأنيقًا ورصينًا وبسيطًا مع
غطاء الرأس اللائق ليلائم المأتم وما يليه من مناسبات تذكاريّة تكريميّة.
والمفارقة في قريتي
وفي كثير من القرى والبلدات المسيحيّة أنّ زيّ المرأة يتغيّر تمامًا متى ماتت.
فتعود في مأتمها إلى اللون الأبيض "العرائسيّ" إذ يلبسونها ثوبًا يحاول
أن يشبه ثوب العرس، وقد يكون نفسه إن كانت المتوفاة شابّة. أمّا اللواتي يحطن بها
فيغرقن في السواد الذي أحضرنه مع ملابس الفرح في ما يسمّى "جهاز العرس".
فعلى المرأة إذًا أن تتذكّر وتذكّر الآخرين أنّ الحياة والموت يتجاوران ويتلازمان
ويتصادقان ويولد الواحد منهما من رحم الآخر. أمّا الرجل فهو في الحالين في الأسود
المحايد، أكان عريسًا للفرح أو عريسًا للموت، وفي مرّات كثيرة كانت بذلة العرس هي
نفسها بذلة الدفن إن لم يغيّر الزمن مقاييس الجسم.
المرأة رحم الحياة
ومثواها الأخير.
من حضنها يولد الفرح،
وفي حضنها يدفن الألم. في حضنها تضع رضيعها، وفي حضنها يلقي رأسه زوجها وفي حضنها
تحاول أن تعيد الحرارة إلى جثّة ابنها. لذلك كان عليها أن تحمل الفستان الأسود
البسيط والأنيق والمحتشم لترتديه إلى القدّاس الأوّل الذي تشارك فيه مع عريسها يوم
الأحد الذي يلي العرس. فيوضع لهما كرسيّان في الصفّ الأماميّ كما في العرس تمامًا،
ويكون كلاهما غارقًا في الأسود ليعلنا الأمر للجميع: لقد صار في إمكان العروس أن
تشارك في مآتمكم، فموتوا مطمئنّين.
قبل ذلك، كانت فتاة
عذراء لا يحقّ لها أن تشارك في حياة القرية الاجتماعيّة الحزينة، فهذه المناسبات
للمتزوّجات أمّا الآنسات ولو صرن عوانس فمعفيّات من هذا الواجب: البنات ما بيحدّوا
(أي لا يرتدين ملابس الحداد) وما بيحضروا دفن.
أمّا بعد أن باركها
رجل الدين، وولجها رجل البيت، ووصل الخبر إلى رجال القرية معلنًا براءة ذمّتها
وطهارة ثوبها وجسدها، فصدر العفو عنها وصارت مستعدّة للمشاركة في مراسم الدفن
وازداد بذلك عدد النادبات واحدة.
كان ثمّة موت إذًا في
كلّ عرس: تموت ابنة فلان لتولد زوجة فلان ثمّ أمّ فلان. وعلى الدم الأحمر أن يسيل
ليفصل بين مرحلتي الأبيض والأسود، ليتمّ الانتقال من العهد القديم إلى العهد الجديد
الذي تشهد المرأة على بدايته بجسمها وثوبيها المتناقضين والمتكاملين. فهل كان
الناس في لاوعيهم الجماعيّ يرون في اللون الأبيض كفنًا يدفنون فيه عذريّة الفتاة؟
وهل رأوا في اللون الأسود عتمة الرحم الذي ستولد منه الحياة بعدما صارت العذراء
امرأة؟ ومتى فهم الناس للمرّة الأولى أنّ حبّة الحنطة إن لم تمت لن تثمر؟ ومتى
ربطوا بين الحياة والموت، بين العتمة والضوء، بين الذكر والأنثى، بين الشرّ والخير؟
والسؤال الأهمّ: متى
توقّفوا عن الفهم؟ وما الذي دفع المرأة المعاصرة إلى استبدال ثوب العرس الأبيض
باللون العاجيّ أو الفضيّ، وثوب الحداد الأسود بثوب سهرة أسود يجذب أنظار الرجال
فتترك المرأة زوجها وتتبع رجلاً "يفهمها أكثر"؟ وهل يمكن أن تحدث هذه
التغيّرات الجذريّة والمصيريّة في عمر واحد يمتدّ من الجَدّة التي لا تزال تحتفظ
بطرحة الثوب الأبيض ومنديل الندب الأسود، إلى الحفيدة التي تضع صورتها بالمايوه
السترنغ على صفحة الفايسبوك؟
2012
نظرت أمّ يوسف
البتول إلى الطفل يسوع وخاطبته في سرّها:
أنت وأمّك العذراء حرمتماني من أن أكون حماة كسائر الحموات.
أنت وأمّك العذراء حرمتماني من أن أكون حماة كسائر الحموات.
العشق الذي لا
يجعلك اليوم أكثر من البارحة جمالًا وحكمة وشجاعة اتركه وامضِ ولا تلتفت إلى الوراء
كي لا تصير عمود ملح
لا أؤمن بإله أو
وطنٍ أو حبيب يريد لي أن أتعذّب
يا حبيبي
تعا نفتح عصفوريّة للعشّاق ...
ولأنو نحنا مجانين ما رح نقبل حدا غيرنا فيها ...
تعا نفتح عصفوريّة للعشّاق ...
ولأنو نحنا مجانين ما رح نقبل حدا غيرنا فيها ...
نيكول العزيزة صلّي
لنا من حيث صرت فما من أحد مثلك يعرف معنى خسارة الوطن والأهل والصداقات.
2014
حين تنظر إلى جذور
شعرها البيضاء وتفكّر في حنان في أنّها تأخّرت عن موعد الصباغ لدى المزيّن لأنّها
كانت منهمكة بأمور تخصّك...يكون الحبّ.
وحين تلاحظ أنّ أظافر يديها في حاجة إلى تقليم
وتدريم وتلوين ولم تجد الوقت لذلك لأنّك طلبت إليها أن تساعدك في عملك...يكون الحبّ.
وحين تعودها في غرفة المستشفى وتباغتك رائحة الأدوية
التي تكرهها ومع ذلك لا تتذكّر إلاّ عطر شعرها بعد الاستحمام...يكون الحبّ.
وحين ترافقها إلى عيادة طبيب الأسنان وتراها مفتوحة
الفم، سائلة اللعاب والدم، خائفة من أبسط آلة يحملها
الطبيب فتبتسم لها وتفكّر في أنّها أكثر الناس قربًا إليك...يكون الحبّ.
وحين
تتناول في عفويّة منديلاً ورقيًّا مسحت به أصابعها وشفتيها ثمّ تركته على الطاولة،
وتمسح به أصابعك وشفتيك...يكون الحبّ.
وحين
تستمع إليها وهي تقول عبارتين كاملتين في جمع من الناس، متحدّية خجلها، فتبتسم لها
فخورًا ولا تقاطعها...يكون الحبّ.
وحين
تنظر إليها وتجدها مختلفة عن المرأة التي حلمت بها، وعن أمّك التي بهرت نظرك منذ
طفولتك، وعن النساء اللواتي يثرن شهوتك ويحرّكن رغبتك، ومع ذلك تفضّل البقاء معها
على أيّ شيء آخر في الدنيا...يكون الحبّ.
في تلك العتمة
المضيئة
لم تكن سيكارتك وحدها هي التي تحترق
لم تكن كأسك وحدها هي التي تنضح ماءها
لم تكن سيكارتك وحدها هي التي تحترق
لم تكن كأسك وحدها هي التي تنضح ماءها
لا تتلفّت في
الشارع باحثًا عنّي
سيلاحظ الناس تغيّرًا ما جعلك ترفع ناظريك عن الأرض
أنا هناك، في الغرفة،
أعدُّ لنا سريرًا بين كتبك والأوراق والكمبيوتر
لا تبدّل إيقاع مشيتك في الشارع
مرّ على الحانة، واشرب كأسًا، كأسين، ثلاثة
كما تفعل كلّ ليلة
لا تدعهم يكتشفون وجودي بين شفتيك والخمرة
كن كما في كلّ ليلة
وحيدًا سئمًا تعبًا
وتأبّط كتابك وامش كما تفعل كلّ ليلة
وحين تصل إلى غرفتك الصغيرة
ستجدني هناك
لن تكون قادرًا على الاغتسال أو الابتسام أو الثرثرة
ستبكي على صدري
وتنام إلى جانبي على السرير الذي أعددتُه لنا
بين كتبك والأوراق والكمبيوتر وعلب الألوان
ومئات الألحان الشجيّة على شرائط تسجيل عتيقة تجد صعوبة في التخلّي عنها.
سيلاحظ الناس تغيّرًا ما جعلك ترفع ناظريك عن الأرض
أنا هناك، في الغرفة،
أعدُّ لنا سريرًا بين كتبك والأوراق والكمبيوتر
لا تبدّل إيقاع مشيتك في الشارع
مرّ على الحانة، واشرب كأسًا، كأسين، ثلاثة
كما تفعل كلّ ليلة
لا تدعهم يكتشفون وجودي بين شفتيك والخمرة
كن كما في كلّ ليلة
وحيدًا سئمًا تعبًا
وتأبّط كتابك وامش كما تفعل كلّ ليلة
وحين تصل إلى غرفتك الصغيرة
ستجدني هناك
لن تكون قادرًا على الاغتسال أو الابتسام أو الثرثرة
ستبكي على صدري
وتنام إلى جانبي على السرير الذي أعددتُه لنا
بين كتبك والأوراق والكمبيوتر وعلب الألوان
ومئات الألحان الشجيّة على شرائط تسجيل عتيقة تجد صعوبة في التخلّي عنها.
كيف لا أعشق رجلًا
إن حدث وجرحته بكلمة، يحضنني ويسألني إن كان الجرح يؤلمني؟
إيلي خوري: من
سيحصي عليّ أنفاسي الفيسبوكيّة بعد الآن؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق