رضوان حمزة |
مكتبه: مكانه الأحبّ |
ليس
لأنّه رضوان حمزة!
فأنا
لا أعرف هذا الرجل الجميل ذلك الجمال الهادئ الأنيق، بل أعرف ما قرأت عنه!
ولا
هو يعرفني وإن كنّا صديقين فيسبوكيّين!
طلب
صداقتي، فشعرت بالإطراء ووافقت على الفور!
لم
يكتب كلمة شكر، ولم أكتب كلمة شكر!
لم
أضع مرّة "لايكًا" على منشور من منشوراته، ولا هو فعل!
لم
يكتب تعليقًا على صفحتي، ولا أنا فعلت!
ربّما
نسي بعد ذلك أنّني في قائمة أصدقائه، ولم أفعل ما يعيد تذكيره بوجودي.
في
حين كان التفاعل والتواصل قائمين بشكل شبه دائم مع شقيقيه الأستاذ عدنان والدكتور عماد!
لكنّه
حين مات، متّ خوفًا! نعم، متّ خوفًا على مصيري في هذه البقعة من الأرض، كما يحصل
لي أنا المسيحيّة المارونيّة كلّما مات ثائر حقيقيّ ويساريّ حقيقيّ وفنّان حقيقيّ.
لكأنّي
أرى في رحيل هذه الشريحة الصغيرة من الناس ما ينذر بتغيّرات خطيرة تمسّ وجودي:
كإنسان، وامرأة، وكاتبة، وفوق ذلك كله: مسيحيّة...
فهؤلاء
اليساريّون، على علل كثيرة ضربت مسيرتهم وخطايا مميتة واكبت آداءهم، وحدهم كانوا
يطمئنونني إلى أنّ لبنان ليس مسيحيًّا وليس مسلمًا،
كأنّ فيهم شيئًا من كلّ
الديانات من دون أن يكونوا طائفة أو يكوّنوا واحدة،
كأنّهم المكان المحايد الذي نستريح
فيه من وطأة التاريخ ولعنة الجغرافية وشظايا الحروب،
كأنّ كلّ واحد منهم وطن لا
يشبه الآخر، ومع ذلك لا نخاف من اشتعال الحروب على محاورهم: فرضوان ليس زيادًا،
وزياد ليس يحيى، ويحيى ليس حنّا، وحنّا ليس نديمًا، ونديم ليس ندى، وندى ليست ضحى...
كأنّهم حماة الثقافة، وأهل الفكر، وأرباب الفنّ، المؤتمنون على الفلسفة والمنطق واللغة،
كأنّهم صاروا الملجأ الأخير حين انهارت ملاجئ الطوائف على رؤوس المحتمين بها.
ليس الأمر تقديسًا مجّانيًّا، أو انتقاصًا من إيمانٍ يجعل كثيرين مرتاحين إلى ثقتهم بتدخّل السماء، فيبقى لبنان وطنًا نهائيًّا لأبنائه، وحصنًا للمضطهدين يفتح لهم حدوده وأبواب البيوت، ومكانًا مقدّّسًا لا تقوى عليه قوى الشرّ...
وليس الأمر سذاجة سياسيّة تعيقني عن فهم لعبة الأمم، وتضارب المصالح، وتجاذبات الأحزاب... التي لا يمكن لأمثال رضوان حمزة أن يقفوا بسهولة في وجهها من دون أن يموتوا كلّ يوم مئة مرّة...
بل لأنّي، شخصيًّا، في أمسّ الحاجة إلى معرفة أنّ ثمّة إنسانًا آخر، ولد مثلي على هذه الأرض، ويريد لها ما أريد لها من حقّ وخير وجمال وعلم وبحبوحة...
ولأنّي أؤمن، كرضوان حمزة، بأنّ الفنّ صلاة، والإعلام قضيّة إنسان، والمسرح معبد، والسياسة خدمة، والكلمة إله!
ولأنّي أؤمن، كرضوان حمزة، بأنّ الفنّ صلاة، والإعلام قضيّة إنسان، والمسرح معبد، والسياسة خدمة، والكلمة إله!
ومع الهزائم التي أصابت المسيحيّين في هذا الشرق الملعون، وخيبات الأمل في قيادات سياسيّة ودينيّة أجّلت الاندحار ولم تقو عليه، وجدت في أمثال رضوان حمزة أملًا، لا لأنّه رضوان حمزة (الذي لا أعرفه معرفة شخصيّة، ولا أعرف عنه إلّا ما قرأت له وعنه) لكن لأنّنا في حاجة ماسّة إلى الإيمان بأنّ أمثال ما يمثّله موجودون:
اليساريّ الذي أريد أن أؤمن بأنّ يمناه نظيفة
الملتزم الذي أريد أن أصدّق أنّ قضيتي هي قضيّته
الملتزم الذي أريد أن أصدّق أنّ قضيتي هي قضيّته
الإنسان الذي أريد أن أعرف أنّ دمعته على حزني تنفجر من قلبه
المؤمن الذي يؤمن إيماني بأنّ المحبّة هي الله،
الفنّان الذي لا يتاجر بفقره، أو يقول ويكتب ما لا يشبهه
هذا ما يخيفني في غياب رضوان حمزة، فلغيري أن يبكي المعلّم والصديق والرفيق والإعلاميّ والشقيق والزميل، ولغيري أن يكتب عن ذكريات السلم والحرب والمسرح والشعر،
أمّا أنا، أنا المرأة المهدّدة حريّتها في هذا الشرق المستنقع القديم،
أنا المسيحيّة المهدَّد وجودها في هذه البقعة المستباحة من العالم،
أنا الكاتبة الخائفة على أحلامها،
فسأبكي خوفًا من غدٍ يزداد من لا يشبهون رضوان حمزة عددًا،
ولا يكون فيه رثاة رضوان حمزة ثوّارًا حقيقيّين ويساريّين حقيقيّين وفنّانين حقيقيّين...
هناك تعليق واحد:
إشراقٌ ذاتي مفعم بضجيج الوجود الثائر...
باتت الكلمات تعجزُ عن توصيف التقويم الموازي...
كأنّما أناملكُ تملكُ سحر الدهشةِ
والإدهاش...
فلا تخافي على أحلامِك...
لأنّك الحلم...
إرسال تعليق