الأحد، 24 يونيو 2018

من مجلّة "البراعم" إلى مجلّة "سيفنا القلم": شرف الزرع وشغف التأسيس

العدد صفر التجريبيّ عهد الأب الرئيس مرسيل الحلو

افتتاحيّة العدد الأوّل بقلم الأب ريشار أبي صالح

افتتاحيّة العدد الثاني بقلم الأب ريشار أبي صالح

افتتاحيّة العدد الثالث بقلم الأب داود كوكباني
بطاقة الدعوة إلى الاحتفال وقد خصّني بها رئيس المدرسة الأب بيار أبي صالح



اليوم مساء (24 حزيران 2018)، تحتفل مدرسة الحكمة برازيليا بمناسبات ثلاث: عيد شفيعها مار يوحنّا المعمدان، مرور ستّين عامًا على سيامة المونسنيور الراحل مرسيل حلو، وربع قرن على انطلاق مجلّة "البراعم" التي أسّستُها عهد كنت مدرّسة فيها.
في الحفل، الذي أغيب عنه، أحضر ويحضر معي آخرون غيّبهم الموت: المونسنيوران لويس ومرسيل الحلو، والأستاذان طعمة ونهاد بو جبرايل، والدكتور سليم قهوجي، والخوري داود كوكباني. ولكلّ منه دوره في تسهيل مهمّتي الصحافيّة تلك:
فالمونسنيور لويس الحلو كان أوّل من استقبلني في المدرسة يوم دعاني الدكتور قهوجي للتدريس فيها. لم تكن معرفتي به وثيقة، غير أنّي وثقت برؤياه التربويّة وحسّه الإداريّ.
المونسنيور مرسيل الحلو هو من انطلقت المجلّة في عهد رئاسته. كان ويبقى بالنسبة إليّ لاهوتيًّا كبيرًا، يملك موهبة فذّة في الوعظ والإرشاد والتعليم، ظُلم حين طلب منه أن يعمل في إدارة المدارس. وحين وافق على إطلاق "البراعم" في عددها التجريبيّ كتب افتتاحيّتها بادئًا بالقول "أمام هذه البادرة الثقافيّة الطيّبة، يسرّني أن أحيّي فيكم، عزيمة على الانطلاق، وتصميمًا على العطاء، ورغبة في تجاوز العمل المدرسيّ المألوف، إلى أفق أرحب"؛ وفي مكان آخر قال للتلامذة: "اخترتم إذًا وسيلة إعلام هي الصحافة، ولو عاد القدّيس بولس داعيًا إلى رسالة السماء، لاختارها وسيلة اتّصال بين الأمم، والتقاء بين الشعوب، ولبثّ من خلالها تعاليمه إلى البشر، ولما تحمّل مشقّة التنقّل في رحاب الأرض، مبشرًا بالحقّ والنور والحياة".
الدكتور قهوجي كان من عمّد انطلاقة المجلّة ومنحها اسمها، وإن لم يكن له دور مباشر في مواكبتها واختيار موضوعاتها، غير أنّه حرص على إيلاء الجانب اللغويّ فيها الأهميّة القصوى.
أمّا الأخوان بو جبرايل فكانا السند القويّ لعهد المونسنيور الحلو، واستطاعا تباعًا أن يتركا بصماتهما على يوميّات المدرسة، في الإدارة والتعليم والتربية والأنشطة. وإن صحّ الحديث عن شهداء في التربية، فقد يكون الأستاذ طعمه بو جبرايل شهيدًا غير معلن، إذ قضى بنوبة قلبيّة وهو في عزّ عطائه وتفانيه، وفي ذروة سعيه لمتابعة التفاصيل وتأمين سير العمل.
في المقابل كان الخوري كوكباني سندًا لي حين كادت المشكلات التنظيميّة اليوميّة تعرقل تنفيذ أفكاري التي أعي اليوم كم كانت سابقة عصرها، ومخالفة السائد الممجوج. ولعلّه الوحيد الذي انتبه إلى أهميّة ما أفعله في جعل الأنشطة وسيلة لتقريب اللغة من ذائقة التلاميذ، بأساليب ثوريّة سبقت تجديد المناهج. والمجلّة كانت واحدة منها، فكتب افتتاحيّة العدد الثالث منها.
يرتبط هؤلاء الأشخاص بتاريخ المدرسة كما أعرفها، فهم صنّاع علاقتي بها، وراسمو هويّتها في بالي، ولو كانوا لا يتشابهون. الآخرون كانوا بطريقة ما في خلفيّة الصورة، ما عدا اثنين، أطال الله في عمريهما، هما الأب ريشار أبي صالح الذي ساند المجلّة بقوّة عهد عمله في المدرسة، وساعدنا على إصدار ثلاثة أعداد في سنة دراسيّة واحدة (كانت له كلمة الافتتاحيّة في العددين الأوّل والثاني) وذلك بعدما آمن بدورها بحسب ما رآه في العدد التجريبيّ رقم صفر؛ والأب الرئيس كبريال تابت الذي سمح بالاستمرار في صدورها وواكب أعدادها إشرافًا وإخراجًا، وأصرّ على أن تتساوى فيها الموادّ الدراسيّة كلّها، ولو على حساب الزخم الذي طبع القسم العربيّ منها، فكنّا نحذف على مضض موضوعات ومقالات ومقابلات حين يعجز الآخرون عن مجاراتنا.
عمل كثر في مجلّة "البراعم"، بطبيعة الحال، إعدادًا وتدقيقًا لغويًّا وإخراجًا وتصويرًا، لكن وفي خلال مسؤولياتي عنها إلى حين اضطراري إلى ترك المدرسة، كان التلامذة هم أهمّ المساهمين في المجلّة، فمن أجلهم أنشأتها، ومعهم عملت بها، وبهم ازدهت وازدهرت واستمرّت. وما زالت ذكرياتي معهم، منذ عهد التأسيس والانطلاق، تطمئن الوجدان إلى مسيرة تربويّة خضتها مقتنعة مؤمنة، وأغادرها، قريبًا، فخورة لأنّني حيث مررت أحدثت فرقًا، وتركت آثارًا. لقد حصدت حاسدين مبغضين بطبيعة الحال، لكنّ عددهم لن يصل، ولو كثروا وتكاثروا، إلى أعداد الخرّيجين الذين جعلتهم يحبّون قصيدة أو يعجبون بأغنية، أو يكتبون مقالة، أو يساهمون في عمل مسرحيّ.
اليوم، تطوي "البراعم" ربع قرن من الزمن، فيصدر عددها الاحتفاليّ وفيه مقابلة أوعز بإجرائها معي، مشكورًا، رئيس المدرسة الحالي الأب بيار أبي صالح، وتطوي الحكمة هاي سكول كذلك (يا للصدفة!!) ربع قرن من العطاء، فأنشأتُ فيها للمناسبة، وبتشجيع من الأب الرئيس كبريال تابت، مجلّة تحمل اسم "سيفنا القلم" أتمنّى لها العمر والديمومة. ومع سابق علمي بأنّ تحديّات عالم التواصل الإلكترونيّ والنشر غير الورقيّ عاملان لا يسهل تحدّيهما، أجدني أملك من الإيمان بقدرة العمل الصحافيّ المكتوب، وسحر الورق، ما يكفي لأخوض مغامرة التأسيس مقتنعة بأنّ التلامذة لن يخذلوني، وبأنّهم يستحقّون، كزملائهم منذ ربع قرن، أن أتيح لهم فرصة التعبير، فيكون القلم سلاحهم يحاربون به الجهل والتعصّب والسطحيّة والعنصريّة والطائفيّة... فتزهر براعم أفكارهم، وتعقد، وتثمر، فيأتي الجنى وفيرًا ولو صعبت الظروف، وتبقى الكلمة وسيلة انطلاق حين تضيق الأرض.
لقد كان لي شرف الزرع وشغف التأسيس، وأنا إذ أطوي كذلك الصفحات الأخيرة من كتاب التربية، لا يسعني سوى أن أتمنّى على القيّمين على "البراعم" و"سيفنا القلم" أن يسلّموا أمر المجلّتين للتلامذة، وألّا يفرضوا عليهم مواضيع التعبير الكتابيّ والإنشاء، بل فليتركوا لهم متعة الانطلاق نحو الصحافة الراقية والتعبير الحرّ المسؤول، ففي هذين فقط يجدون أنفسهم ويجدّدون أفكارهم، وعند ذلك يكتشف الجميع شرف الحصاد وشغف الاستمرار.

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.