الخميس، 10 سبتمبر 2009

هل ينتقم الرجل من هيمنة فيروز على الأعمال الرحبانيّة؟



نحن، اللبنانيّين، مصابون بحالة شعريّة من الصعب أن نخرج منها في سهولة اسمها الأخوان رحباني وفيروز. قد تختلف عوارض هذه الحالة بين شخص وآخر كأن يكون الواحد منّا مصابًا بجرعة زائدة من فيروز، وآخر بهلوسة فكريّة اسمها عاصي، وثالث بميل عاطفيّ نحو منصور، إلاّ أنّنا في النهاية رحبانيّو الهوى والانتماء.
غير أنّ ذلك لا يمنع بعضنا من دراسة هذه الحالة وتحليلها في عمق ومنطق بعيدين عن الهوس الذي يرافق إعجاب المراهقين بنجوم الغناء. فإذا كانت المدرسة الرحبانيّة فكريّة جماليّة فلا يجوز أن نتعامل معها بغير هذا الأسلوب، أي أن ندرس نتاجها انطلاقًا من هاتين الناحيتين الفكريّة والجماليّة. وليس غريبًا أن نجد عددًا كبيرًا من الدراسات والأطروحات الجامعيّة عالج الإنتاج الشعريّ والمسرحيّ الرحبانيّ، ولا بدّ من أن يزداد ذلك مع دخول فنّهما المناهج الدراسيّة.
منذ انفصال فيروز عن عاصي، وابتعادها عن مسرح الأخوين، بدأت الشخصيّات الرجاليّة إذا جاز التعبير تعمل على فرض نفسها بعدما كانت الشخصيّة النسائيّة الوحيدة (فيروز) هي المهيمنة على مختلف الأعمال. لذلك رأينا في الأعمال "الما بعد فيروزية" اتجاهًا إلى البحث عن الرجل/البطل، وإلى جانبه شخصيّات نسائيّة متغيّرة، ولكن من دون نجوميّة حصريّة لواحدة معيّنة. ولذلك مرّت هدى (شقيقة فيروز) ورونزا وكارول سماحة ولطيفة التونسيّة وستمرّ هبة طوجي بطلة مسرحيّة "عودة الفينيق"، من دون أن تكون لواحدة منهنّ الهيمنة التي كانت لفيروز. ولم يستطع غسّان صليبا، مهما حاولنا أن نكون منصفين معه، أن يتحوّل النجم الساطع في أعمال منصور الرحباني وأولاده، كأنّ المطلوب منه أن يتقاسم البطولة مع سواه من الممثّلين والمطربين فكان أنطوان كرباج ورفيق علي أحمد ودخل على الخطّ حاليًا دريد لحّام وجورج خبّاز في فيلم "سيلينا" ليسيطروا بخبرتهم العالية على حضور ميريام فارس الذي تطرح حوله علامات استفهام كثيرة.
حين مات نصري شمس الدين ووضع نعشه على سطح سيّارة تاكسي حملته من الشام حيث كان يعمل خلال الحرب اللبنانيّة، وقطعت به المعابر والحواجز لتوصله من دون احتفال أو حشود إلى مدافن قريته، كانت ذاكرتنا تستعيد شخصيّة الأمير فخر الدين المعني الكبير التي خلّدها بأدائه وصوته الرائعين في مسرحيّة تحمل اسم الأمير. ولعلّها المرّة الوحيدة التي شعر فيها نصري شمس الدين بأنّ حقّه كفنّان أعطي له، ليعود بعد ذلك ليجبر على الانسحاب إلى أدوار أقلّ أهميّة، وإن كنت أؤمن شخصيًّا بأنّ الدور ولو صغر حجمه يبقى لافتًا إن قدّم في براعة واحتراف. المهمّ في هذا المجال أنّ الأخوين رحباني لم يكتبا نصًّا آخر لبطولة رجاليّة لتبقى فيروز سيّدة مسرحياتهما وأفلامهما، وفي هذا المجال يؤكّد الدكتور نبيل أبو مراد في كتابه" الأخوان رحباني: حياة ومسرح" على أنّ "المسرح الرحبانيّ هو مسرح فيروز بالدرجة الأولى، فحولها تمحورت الأحداث والأفكار والمواقف". فهل أتى الوقت الذي فيه تنتقم الشخصيّات الرجاليّة منها وتستعيد حقّها المسلوب؟ الأحاديث التي أدلى بها الممثّلون في الأعمال الرحبانيّة التي قدّمت بعد ابتعاد فيروز توحي بأنّ الأدوار التي يقدّمونها ما كانت لتأخذ حقّها من الاهتمام لو كانت فيروز موجودة، وفي هذا الإطار نضع كلام الفنّان دريد لحّام في كلامه على دور الشحّاذ في فيلم "سيلينا" إذ يقول إنّ الشحّاذ هو فيلسوف المدينة وكان يتمنّى أن يؤدّيه. وعن هذه الشخصيّة يقول المفكّر فوّاز طرابلسي في كتابه: "فيروز والرحابنة:مسرح الغريب والكنز والأعجوبة": "ويبقى الشحّاذ وهو الأكثر تمثيلاً للرسالة الرحبانيّة في هذه المسرحيّة. إنّه مجسّد الحلم. هو متفوّق على الملك وحرّ أكثر منه، لأنّه يملك ما لا يملكه الملك: الحلم. لهذا السبب يرفض أن يكون ملكًا". ولكنّ السؤال الذي يخطر على بالي:هل كان دريد لحّام سيؤدّي هذا الدور لو كانت فيروز هي البطلة؟

ليست هناك تعليقات:

مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.