الجمعة، 25 فبراير 2011

حزب الدربكه


أُعلن عن تأسيس حزب جديد لا علاقة له بأيّ من الأحزاب أو التيّارات الموجودة في البلد أو في المحيط العربيّ وهو حزب الدربكه.
وأهدافه كما تعبّر عنها الحروف التي تكوّن اسم الحزب هي:
د: دواء
راء: رغيف
باء: بنزين
ك: كهرباء
ه: هجرة
***
من الواضح أنّ أيًّا من الأحزاب والتيّارات الموجودة لم يعمل على تأمين هذه الأمور الحياتيّة المهمّة، فصار من الملحّ أن تبدأ حركة جديدة تهدف إلى تحقيق حاجات الناس من دواء ورغيف وبنزين وكهرباء، وإلاّ فتأمين تأشيرات دخول إلى أيّ بلد يؤمّن هذه الضروريّات، فضلاً عن أمور ثانويّة أخرى كالحريّة والعدالة والكرامة.
***
وكما تستنتجون من اسم الحزب الذي جعل الدربكّه شعاره أنّه حزب مرح فرح لا خطباء فيه ولا مؤتمرات صحافيّة ولا بلاغات حزبيّة. نقرة واحدة على الدربكّه ويبدأ الهزّ في ساحات الميدان والتحرير والشهداء.
***
وإن لم يؤمّن الحزب هذه الأهداف فعلى الأقلّ يكون قد أمّن فسحةً من الرقص السعيد على إيقاع النشيد الجديد الذي يستحقّه هذا الشعب العنيد.
ومطلع النشيد يقول: 
الهيئة المستقبل تعتير
والإصلاح بدّو تغيير
حزب الدربكة جايي
ت يشيل الزير من البير 
***
يرفض حزب الدربكّه وجود المرافقين لقادته إلاّ إن كانوا من حملة الدفوف.
***
ينتظر الحزب تقديم طلبات الانتساب في مختلف فروعه المنتشرة إلى جانب المقاهي والمطاعم والنوادي والملاهي في مختلف المناطق اللبنانيّة وبلدان الانتشار.
***
شروط الانتساب: أن يكون المواطن مستعدًّا للاعتصام في الساحات واحتمال صوت الدربكّه والضرب عليها أو بها حين يدعو الواجب. 

الخميس، 24 فبراير 2011

أسئلة يجيب عنها الوقت وخواطر لا زمن لها

ماريّا ابنة أخي في روما


1- هل يفهم المسلمون في مصر مخاوف مواطنيهم المسيحيّين؟ وهل في ذهن شباب الثورة أفكار تطمئن الأقباط إلى أنّ مخاوفهم لم تعد في محلّها؟
2- إن تحرّر الناس بالسلاح استفاد الغرب لأنّ السلاح من عنده، وإن تحرّروا بالفايسبوك استفاد الغرب لأنّ الكمبيوتر من عنده. لماذا تبدو حريّتنا متكّئة على غيرنا؟
3- هل لاحظ اللبنانيّون أنّهم صاروا في آخر الركْب حين فوّتوا على أنفسهم فرصة الريادة والقيادة وعجزوا عن تحويل ثورة الأرز ثورة شبابيّة جامعة؟
4- من الواضح أنّ هواء الحريّة في البلدان العربيّة يخيف إسرائيل أكثر من حرق أعلامها في الساحات.
5- ما دام الزعماء العرب على مثل هذه الهشاشة وهذا الجنون فلماذا تأخّرت الثورة؟ وممّ كان الناس خائفين؟
6- ظنّت الأنظمة العربيّة أنّ إلهاء الشباب بالفايسبوك يفسد أخلاقهم فتموت نخوتهم. لا أحد يعرف كيف تجد المياه مسربًا لها!
7- تتساءل وسائل الإعلام عن غياب الفنّانين عن ساحات الثورة. أنا أستعيد السؤال الذي سبق وطرحته: أين المفكّرون والفلاسفة؟
8- في أمكنة من العالم الشعر يصنع ثورة، وفي أمكنة أخرى الثورة تنجب شعراء.
9- الأغنية الوطنيّة لم ترجع الفلسطينيّين إلى فلسطين، ولم تنقذ لبنان من حربه الأهليّة. والشعوب التي ليس عندها شعراء أنبياء راؤون لن يكتب لها البقاء.
10- لم يعد المطلوب في لبنان أن نؤلّف حكومة، صار من الواجب تأليف شعب.

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

أبعدوا كأس التاريخ عن تلامذة لبنان



نخدع أنفسنا إن بقينا مصرّين على أنّنا شعب واحد. وربما من المنطقيّ أن نعترف فعلاً لا قولاً بالتعدّديّة التي تَغَنَّيْنا بها شعرًا ورفضناها ممارسة عمليّةً، ما أوصلَنا إلى الصراعات الطائفيّة والمذهبيّة. وبناء على هذا الواقع، الذي لا يمكن عاقلاً أن ينفي حقيقته، نريد أن نضع تاريخًا واحدًا للبنان، وأن نفرض على تلامذة المدارس أن يقتنعوا به ويحفظوه غيباً.

لا يكفي يا سادة يا كرام أن تقرّر الدولة – وهي على صورة من يسيطر عليها – أن تضع كتابًا للتاريخ (فالأمر ليس كحكايات الزير سالم وعنترة)، إذ ثمّة اعتبارات كثيرة يصعب تجاهلها في بلد لا ينجو من مرحلة مصيريّة خطيرة حتّى يدخل في مرحلة مصيريّة أخطر. ويكفي أن نعرف أنّ هذا الكتاب لا يمكن أن يصدر ما لم تتّفق عليه الزعامات السياسيّة الفاعلة، ما يعني أنّ قاعدة "مرّقلي ت مرّقلك" هي الحقيقة الوحيدة التي يمكن الركون إليها عند قراءة تاريخنا الصادر بمثل تلك الصياغة التوافقيّة.

وهنا نسأل: هل للسريان والأرمن فصول في هذا الكتاب الموحّد؟ هل فيه ذكر للأكراد والعلويّين والمجنّسين؟ هل فيه فصل عن دور المغتربين عدا تلك العبارة التقليديّة عن أموالهم التي تدعم الاقتصاد؟ هل فيه التأثيرات الخارجيّة المكوّنة المجتمعَ الحديث، من الاحتلال التركي إلى الانتداب الفرنسيّ فالثورة الشيوعيّة فالتأثير الأميركيّ، وأخيراً وليس آخرًا الثورة الإيرانيّة، هذا كي لا نعود كثيرًا إلى ما هو أقدم عهدًا؟ ونسأل استطرادًا: كيف تتأكّد الدولة من أنّ المنهاج سيصل كما وُضع، إذ لا يخفى أنّ ما يجري حاليًّا في القطاع التربويّ الموزّع ما بين الخاصّ والعامّ يندرج تحت عنوان عريض هو: كلٌّ يدرّس على هواه ويفهم على هواه؟ فللأهل آراء، ولرؤساء المدارس حسابات، ولمنسّقي المادّة التزامات، وللمعلّمين الموزّعين على الصفوف انتماءات. وكلّهم في نهاية الأمر سيقولون للتلامذة: اكتبوا في الامتحان كما في الكتاب لكي تضمنوا النجاح لكن لا تصدّقوه.


كتاب التاريخ لن يعلّم تلامذتنا بطولات وعِبر، بل سيزرع في عقولهم الخبث والكذب، ويثير حساسيّات لا داعي لها ما بين أولاد ومراهقين يتشاجرون حول أمور لم يتّفق عليها المسؤولون في البلد. فتخيّلوا معي درس تاريخ عن العلاقة مع سوريا في صفّ معلّمه من القوّات اللبنانيّة، ودرس تاريخ آخر آخر عن رياض الصلح أو بشير الجميّل يشرحه أستاذ من السوريّين القوميّين، وثالث عن القضيّة الفلسطينيّة يعطيه مدرّس من القوميين اللبنانيّين، ودرس رابع عن حرب الجبل يشرحه معلّم مهجّر من الجبل، ودرس خامس عن اجتياح اسرائيل بيروت يحوّله المربّي الفاضل ندوة للدفاع عن سلاح المقاومة. وينسحب التحليل نفسه على الماضي الأبعد حين نصل مثلاً إلى الأمير بشير الشهابيّ مع أستاذ درزيّ من سلالة بشير جنبلاط، وتاريخ الموارنة مع أستاذ يضع اللوم على المارونيّة السياسيّة في ما حلّ بالوطن، ولبنان الكنعانيّ مع مدرّس مسلم متزمّت. أكتب هذا وفي بالي ذكريات من عالم التربية الذي اختبرته تعليمًا وتنشيطًا للعمل الثقافيّ، فكنت شاهدة على انقسامات طاولت المعلّمين والتلامذة بسبب انتماءات لا قاسم مشتركًا بينها إلاّ العناد والتشبّث والتبعيّة.
الأمير فخر الدين

لن يجمع تاريخُ لبنان السياسيّ تلامذةَ لبنان، لأنّه لم يجمع قبل ذلك أبناءه وزعماءه إلاّ على المصالح والنزعات الفرديّة. ومن الأصحّ، قلناها سابقًا ونكرّر، تعليم تاريخ لبنان العلميّ والأدبيّ والفنيّ والرياضيّ، إذ لا يمكن أن يختلف اثنان يتمتّعان بحدّ أدنى من المعرفة على أهميّة الاختراعات العلميّة لحسن كامل الصبّاح أو الدور الرياديّ للرابطة القلميّة ومجلّة شعر والفخامة اللغويّة في قصائد سعيد عقل والجماليّة اللبنانيّة في أعمال الأخوين رحباني والإنجازات الرياضيّة لمكسيم شعيا. وإن اختلفا فلن يتقاتلا، وإن تقاتلا فلا كانا ولا كان هذا البلد. وإذا كان التاريخ عِلمًا تحكمه الموضوعيّة، فلا أعتقد أنّ زعماء الطوائف هم المؤهّلون لمباركته، وإن كان مادة يكتبها المنتصر، فمن هو الذي يستطيع أن يدّعي أنّه انتصر في لبنان؟ 
***
صحيفة النهار - 22 شباط 2011



الأحد، 20 فبراير 2011

ثورة بحجم سيكارة


بيكاسو


نحن لا نعرف كيف نشعل ثورة.

نحن نعرف كيف نشعل سيكارة إن غضبنا من رئيسنا في العمل ولم نستطع أن نواجه غباوته "لأنّ في رقبتنا" عائلة وأولادًا وأقساط مدارس،

أو سيكارًا إن كثرت علينا طلبات الفقراء والمحتاجين والمرضى والمسرّحين من أعمالهم،

أو إطار سيّارة إن دُفع لنا راتب في الأرض ووعدنا بأجر آخر في السماء،

أو أشجار سنديان عتيقة إن أردنا أن نبيع الأثرياء حطبًا لمواقدهم أو فحمًا لأراكيلهم،

أو بخورًا أمام رجل ذي جبّة يعدنا بتخليصنا من شياطين الرغبات، ليكون لها مَسْكنًا،

أو شمعة نضيئها ليعود من نحبّهم سالمين إلى البيت بعدما سمعنا دويّ انفجار.

***

نحن لا نجرؤ على إغلاق أبواب مدينتنا وحرق أنفسنا كي لا نقع في أيدي الغزاة،

نحن نتذاكى على "الأعداء" فنفتح لهم أبواب ملاهينا وسيقان نسائنا كي نسرق أموالهم وننال رضاهم ونتحاشى سوء مزاجهم.

***

نثور على الذلّ فنغتصب نساءنا وأطفالنا،

نثور على الفقر فنضرب أولادنا،

نثور على الجوع فنعضّ أصابعنا،

نثور على الخوف فنغرق في المهدّئات،

نثور على اليأس فنهرب إلى المخدّرات،

نثور على رجال الدين فنشكو أمرنا إلى الله،

نثور على رجال السياسة فنفضح أخبارهم أمام رجال المخابرات،

نثور على العسكر فنشتم مراسلي التلفزيون،

نثور على مذيعي أخبار البؤس فيشرب والدنا كأسًا وتتلو والدتنا صلاة وننام نحن على أمل ألاّ يطلع الصباح.

***

تاريخ البطولة صار مواضيع للمسرح والأغنيات،

تاريخ القداسة أمسى دخلاً للمطاعم وصناديق النذورات،

تاريخ الحروف الأبجديّة محته رئيسة المدرسة عندما طلبت من والد الطفل أن يبيع أرضه ليدفع القسط،

تاريخ اللون الأرجوانيّ الملكيّ صار حاضر الدم ومستقبل العبوديّة،

تاريخ الحجر المستخرج من رحم الأرض ليكون قلاع المجد صار بيت الزجاج الذي لا يجرؤ أصحابه على رشق الآخرين بحجر،

تاريخ الجسور المرفوعة بعزّ فوق أنهر الحياة صار متاريس من الحقد في أزقّة الموت،

تاريخ "الدبكة" التي تهزّ الأرض محته "النواعم" اللواتي يهززن الصدور.

***

لا نغضب إلاّ على كتب المنجّمين والنشرات الجويّة إذا لم تلائم توقّعاتنا ومشاريعنا أو على نهاية المسلسل لأنّها لم تكن كما أردناها، أو على خروج متبارية من برامج النجوم لأنّها كانت تمثّل "قيم" بلدنا و"ميزاته" الوطنيّة" و"تراثه" الفنيّ.

لا نرفع صوتنا إلاّ على المتسوّل إذا اقترب من السيّارة، أو على النادل في المطعم إن تأخّر في إحضار الطبق، أو على الصبيّ عند مزيّن الشعر إن كانت المياه أكثر حرارة أو برودة ممّا نرغب فيه، أو على الخادمة الأجنبيّة إذا تعبت، أو على التلميذ إذا خاف عندما سمع صوت انفجار، أو على العجوز التي تعبر الطريق وأخّرت سيرنا نحو الهدف المنشود، أو على شرطيّ السير، ما دام لا يسمعنا.

لا نرفع إصبعنا مهدّدين إلاّ "في وجه" الكاميرا ولا نشتم إلاّ من أطلق بوق سيّارته لنسمح له بتجاوزنا بعدما غرقنا في حديث هاتفيّ حميم ونسينا أنّ الطريق ليست ملكًا لنا، ولا نزعق غاضبين إلاّ في أذن جدّنا الأصمّ، ولا نسخر هازئين إلاّ في وجه زميلنا إن قدّم فكرة ذكيّة لم تخطر على بالنا.

وفي انتظار الثورة الكبيرة التي لن تأتي دعونا نشعل سيكارة ممنوع تدخينها حيث صنعت، فمن الواضح أنّ هذا كلّ ما نستطيع فعله لنطفئ ثوراتنا الصغيرة، الصغيرة، الصغيرة، الصغيرة.

***

صحيفة النهار – الأربعاء 2 نيسان 2008


السبت، 19 فبراير 2011

البناء المسكون




يكاد العمل في البناء الجديد المجاور لبيتنا ينتهي. أربعة أعوام من الضجيج والصخب وصراخ العمّال ونحن ننتظر عودة الهدوء، مراهنين على أنّ سكّان البناية الفخمة من طبقة قد لا تزعج سكينة الجيران. وزاد من اطمئناننا الشرفات التي أحيطت بالستائر الزجاجيّة العازلة، ما يعني أن لا صوت يصل إلينا من الناس الذين لا نعرف عنهم شيئًا.
البناية فخمة جدًّا، يقارب سعر الشقّة فيها المليون دولار، (جيرتنا مكلفة؟؟؟)، سمح لنا التصاقها ببيتنا العتيق أن نعاين جمالها الذي يتشكّل يومًا بعد يوم وإن كان جمالاً باردًا لا يستهويني شخصيًّا، وكنت أتمنّى لو بقيت الأرض ملعبًا للعصافير تقفز بين شجرات التوت والتين والزيتون والرمّان والعنّاب، وبعض فراشات ملوّنة تراقص شتلات الورد والحبق والياسمين.
(ربّما لو كنت أملك مليون دولار ثمن الشقّة لتغيّر مفهومي للجمال!!!)
لفت انتباهي مشهد العمّال الذين لا يزالون يبيتون في الطبقة السفلى من المبنى وهم يتجوّلون بين الشقق ويسهرون على شرفاتها حين يكون الطقس دافئًا، وأتخيّلهم وهم يفكّرون بأنّهم يبنون بيوتًا فخمة لا يستطيعون امتلاك ما يشبهها، ثمّ أتخيّل أصحاب الشقق الأثرياء وهم يستلمون بيوتهم التي سبقهم إلى السهر فيها والتجوّل في أنحائها واستخدام حمّاماتها عمّال غرباء.
قديمًا، كان الذي يبني هو الذي يدّشن بيته، اليوم، الذي يبني "يدشّر" البيت لسواه.
فيا أصحاب الشقق الفخمة، يا جيراننا الغرباء، بيوتكم ليست جديدة، لقد كنت شاهدة طيلة أربعة أعوام على أنّها كانت مسكونة بأحلام العمّال، ورغبات العمّال، وحسرات العمّال، وأحاديث العمّال. وستبقى كذلك إلى أن تمتلئ الأرض عدلاً.

الجمعة، 18 فبراير 2011

عن الثورة والسجن والمنفى


Fred Elwel


ليس كلّ الخارجين من الأسر أبطالاً وثوريين ومنتصرين. إذ ثبُت أنّ سمير جعجع ليس نلسون منديلاّ.
ولا يعود كلّ المنفيّين إلى بلادهم قادة وزعماء ومحرّرين، فلقد تبيّن أنّ ميشال عون لم يستطع أن يكون شارل ديغول.
وليس من الواجب أن يكون  كلّ المقاومين من حَملة السلاح، لذلك لا شيء يجمع بين مقاومة حسن نصرالله لإسرائيل ومقاومة غاندي لبريطانيا التي زرعت إسرائيل في هذا الشرق.
وبالقياس إلى ذلك، نستنتج أنّ الثورات لا تصلح دائمًا للتصدير، وما ينجح في بلد ومجتمع قد لا يعطي الثمار نفسها في بلد آخر ومجتمع مختلف، لذلك لم يستطع أحد أن يكون تشي غيفارا بنسخة جديدة، أو مارتن لوثر كينغ بلون أبيض أو أصفر. للثورات شروط، وإن كان الشغف بالحريّة أوّل هذه الشروط فلا يعني ذلك أنّ التخطيط ابن العقل ليس له مكان، وإن كانت الشعارات ترتكز على معاناة الشعوب مع الماضي الأليم والواقع المأساويّ فليس من المنطقيّ ترك المستقبل غارقًا في رماديّة التردّد والحيرة والغموض وسوء الرؤية.
ما يجرح النفس في هذه المرحلة من الثورات المعلّقة بعلامات استفهام كبيرة في فضاء الأوطان العربيّة هو شبح الخيبة الذي يطارد أحلام الأجيال الشابّة، التي ما أن تتذوّق طعم الحريّة حتى تغرق لألف سبب وسبب في الفوضى والتخريب، ما يجعل الناس يحنّون إلى الظلم كحيوانات ولدت في الأسر وإن أعطيت الحريّة قضت بين أنياب الوحوش ومخالب الجوارح.

الخميس، 17 فبراير 2011

عن كتابي "لأنّك أحيانًا لا تكون" للشاعر يحيى جابر



الشاعر يحيى جابر في حفلة توقيع كتابيّ في معرض الكتاب العربيّ



"لأنّك أحيانًا لا تكون" باكورة ماري القصيفي
نصوص مفتوحة على شتّى الأساليب

بقلم الشاعر يحيى جابر

(صحيفة البلد - 2005)

     بعيدًا عن الصخب والضجيج لما يسمّى "الأدب النسائيّ" ونصّ "المرأة" والكتابة "الأنثويّة"، تطلّ ماري القصيفي بكتابها الأوّل "لأنّك أحيانًا لا تكون" (دار مختارات) مبرعمة بالخجل على مساحة نصوص مفتوحة في حقول مختلفة لربيع واحد.
     في أوائل التسعينات عندما ساد سلم أهليّ وثقافة شابّة تتفتّح في جميع الأرجاء، أذكر كاتبة مشاكسة كانت تدعى "مي م الريحاني" في الصفحة الثقافيّة لجريدة "النهار"، تساجل وتناقش عن مدينة وصراع أجيال، لأكتشف لاحقًا أنّها "ماري القصيفي" تكتب باسم مستعار...وسيمرّ زمن لتعلن اسمها بلا ادّعاء ولا بهورة، ولا علاقات عامّة في الثقافة وعالمها الاستهلاكيّ
     ناقدة بعيدة عن الإخوانيّات وكرسي المقهى والحوارات التبخيريّة، منشغلة بالكتابة نقدًا وإبداعًا، وتتواصل بالمراسلة فقط لا غير، ولم يكن غريبًا أن تكون زاويتها الأسبوعيّة تحت عنوان "أضواء خافتة"، مبتهجة بكونها غريبة ولا أحد يعرف صورتها أو صوتها. تفاجئ ماري القصيفي قارئها من اختصار المشهد في حكاية إلى لغة متوثّبة وقلقة كالقصيدة، إلى دقّة ملاحظة تعاين حياة اجتماعيّة أو ثقافيّة.
     قلقة في "بيت من حبر" لا متعة سوى الشعر، من زوايا مختلفة للعين، أو الرويّ بلهجات مختلفة بلسان واحد، والتطريب بالجملة وشفافيّتها بمرايا متعدّدة لوجوه كثيرة.
     لا ينتظم كتابها "لأنّك أحيانًا لا تكون" تحت تصنيف ما، أو يندرج تحت عنوان معيّن لفنّ أدبيّ، إنّها الكتابة المشرعة على كلّ شيء وبشتّى الأساليب.
     من الغصّة المخنوقة، إلى القهقهة والسخرية، مرورًا بالحكمة والمثل، وصولاً إلى المفارقة والمقارنة. بلا ادّعاء هويّة "شاعرة" أو قاصّة" أو "روائيّة" أو "ناقدة" كأنّ الحصول على اللقب آخر همومها، حيث انتفاء الرغبة باسم أو الانتماء إلى شريحة ما.
     وحدها اللغة، تلاعبها ماري القصيفي وتتلاعب بها، وهي "أستاذة أدب عربيّ" ولكن بلا إفراط في كلاسيكيّة ما، أو رومانسيّة، وصولاً لما يسمّى تفجير اللغة وتثويرها، هي اٌرب إلى نبع منسيّ تحت حشائش.
     بلا ثرثرة
     تسكن ماري القصيفي في بيت القصيدة...بلا ثرثرة، ولا تسهب في المقالة، وتضجّ بالسخرية بلا قنابل صوتيّة، ولا ترمي قنابل دخانية في وجه القارئ.
     في قلب القصيدة تنبض، وترسم جغرافيا للحكاية، وتخاطب عابرًا، كأنّ النصوص تارة حديقة مشذّبة، وتارة أخرى من طبيعة بريّة بلا مقصّات. إنّها الكتابة كماء سبيل لعابر، يشرب ويمشي ويعود مرّة أخرى.
     يبدو الكتاب دفتر يوميّات لحواس خمس من ذاكرة وعين وأذن، تارة، أو الكتابة بالأسنان التي تكزّ من الوجع، أو لإطلاق صرخة خافتة أقرب إلى الهمس لحظة رواية الحبّ وتفاصيله.
     لا تفتعل ماري القصيفي معركة مع اللغة، بقدر ما تروّضها لتصبح طيفًا أو روحًا هائمة تحت الكلام. ولا تقع لحظة في إرشاد مدرسيّ أو تربويّ، إنّها الجرأة حتّى الخجل والتواري. ويذوب الكلام كالشوكولا لتبدو كأنّها في اللغة ساندريلاّ الكتابة، التدوين بالأحلام والمنامات وعلى مشارف نعاس من الرقّة والوداعة لنصوص مفروشة بحرير مفردات.
     يحدث في معظم النصوص أن تشاغب ماري القصيفي، من قلب المعاني، والطرافة المفاجئة، أو أن تتحوّل ظلالاً ممصولة، تنتقل من نحلة تلسع إلى عصفورة تغرّد. أن تلاكم  أو تختفي وتنسحب من الحلبة محمّرة الخدّين أو تستسلم لفكرة خيانة أو حبّ في الوقت نفسه.
     لكلّ كتاب أوّل بهجته وامتحانه. اجتازت ماري طرقًا وعرة، مخلصة لدربها الذي تخطّه على مهل وهي الآن تائهة في مستديرة من المواهب، شاعرة أم قاصّة، ناقدة أم حكيمة. وكلّ ذلك يحتاج إلى بعض الوفاء وأن تفتح جارورها على حكايات أوصدت عليها تحت عنوان أنّها لا ترغب في النشر، خوفًا من الانضمام إلى الطابور الطويل من الشعراء أو القاصّين، ربّما تكون الرغبة هي المتعة بالعزلة والانطواء،ولكن...لماذا يا ماري.

الأربعاء، 16 فبراير 2011

"جامعة" الدول العربيّة



من أطرف ما يُقال اليوم في التصريحات السياسيّة وجوب احترام مقرّرات الجامعة العربيّة أو ضرورة تنفيذ ما اتفق عليه الزعماء العرب أو أهميّة الالتزام بالشرعيّة العربيّة. والسؤال البديهيّ الذي يفرض نفسه هنا: أين الجامعة العربيّة ممّا يجري في الساحات العربيّة؟ وأين الزعماء العرب وكلّ واحد منهم يحاول أن ينجو بنفسه وماله؟ وأين الشرعيّة العربيّة في وقت تغرق الشوارع العربيّة بالمظاهرات الغاضبة؟
العالم العربيّ أمام تغيّرات جذريّة تطاول كلّ شيء فيه، لكنّها تغيّرات سريعة وفوضويّة ويُخشى أن يكون عقل الفرد غير مؤهّل للتعامل معها، والوعي الجماعيّ غير مستعد لفهمها والسير بحسب مقتضياتها. ومن المؤسف أنّ وسائل الإعلام تغرق في تفاصيل المشهد الآنيّ ولا تعمل على تحليل الأبعاد النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة إلاّ من باب رفع العتب. لذلك كان من المثير للسخريّة أن تسأل إحدى مذيعات الأخبار أحد المراسلين الصحافييّن في ميدان التحرير عن الحجارة التي تمّ التراشق بها ونوعها ومن أين أتى بها المتظاهرون.
لعلّ الجامعة العربيّة مدعوّة لحلّ نفسها في انتظار تغيّر المشهد بعد تنحّي الزعماء واحدًا تلو الآخر، ولعجزها منذ تأسيسها عن الحلّ والربط والتأثير في مجريات الأمور في أيّ بلد عربيّ، أو في الصراعات بين الأنظمة. ولكن كيف تحلّ الجامعة نفسها وهي غير موجودة بفعل الواقع المفروض في أكثر من دولة ومملكة؟
لعلّ "جامعة" الدول العربيّة الوحيدة هي اللغة الإنكليزيّة. هذا ما قلته لتلاميذ في القسم الداخليّ في مدرسة لبنانيّة، وهم من مختلف الأقطار العربيّة. فحين خاطبتهم باللغة العربيّة اعترضوا لأنّهم لا يفهمون اللغة الفصحى ولا يفهمون اللهجة اللبنانيّة، واتّفقوا، وهم نادرًا ما يتّفقون، على أن أتحدّث معهم باللغة الإنكليزيّة.

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

الله يعطيكم اعطونا ثورة







أن تكون فقيراً في لبنان لا يعني أنّك تشبه سائر الفقراء في العالم، ولا يمكنك بالتالي أن تعتبر نفسك مساويًا لهؤلاء الذين لا يخجلون من فقرهم ويتعاملون معه على أنّه حقيقة لا مفرّ من الاعتراف بها والتصرّف تبعًا لمقتضياتها. فبلدان العالم الفقيرة تقرّ بمرتبتها هذه، والفقراء فيها يعرفون قبل سواهم أنّهم فقراء. أمّا نحن، وكما في كلّ أمر يتعلّق بالمحافظة على المظاهر والتأثر بآراء الناس فينا، فأثرياء مزيّفون، فقراء في السرّ، محتاجون من دون أن يشعر أحد بما نحتاج اليه، ونبني من هذه المسلّمات الواهية حياة قائمة على الخداع والخبث. وليس ذلك حفاظاً على الكرامة كما قد يتبادر الى الذهن بل انسجام مع أيقونة مقدّسة رسمناها لأنفسنا ونرفض إعادة النظر فيها. فما هي صفات هذا الفقير اللبنانيّ "الغير شكل"؟ هو بكلّ بساطة الذي يعيش حياة يصعب أن يؤمّنها له راتبه الشهريّ، فيهدر الوقت وهو ينتظر أمرين: نتائج اللوتو واليانصيب ووصول المال من ابن أو أخ يقيم في الخارج (هذا إن كان شريفاً لا يسرق ولا يقبل رشوة). وفي انتظار تحقيق أحد الحلمين يلهو بتقليد الأغنياء والإيحاء ببعض رفاهيّة أو على الأقلّ بكثير من الاكتفاء، وهو لا يعلم أنّ أمره مفضوح، وأنّه ذو خلفيّة فقيرة معروفة وله تاريخ حافل بالعوز، وما احتفاله بما استطاع الحصول عليه إلاّ الدواء المسكّن لمعاناة الطفل الذي كانه.
من المشاهد المعبّرة عن حياة هذا اللبنانيّ أنّهّ يمد السجّادات في بيته بعدما يبدأ الشتاء خوفاً من أن يؤذيها غبار الصيف، ثمّ يخفيها مع إطلالة الربيع قبل أن يتوقّف المطر بحجّة الغبار نفسها، ويحمي "شراريب" السجّادات بالورق اللاصق كي لا تتمزّق أو تتّسخ، ويسرع إلى رفع الستائر كي لا تطاولها الشمس وتتسبّب في اهترائها ولو كان يعرف أن ذلك لن يحصل إلاّ بعد سنوات طويلة. وبسبب الشمس والضوء والغبار يغلّف المقاعد بقماش آخر يسهل غسله ويحمي القماش الأساسيّ ويتركه نظيفاً للضيوف. ويحبّ "الكراكيب" ويحتفظ بها، فلربما احتاج إلى شيء منها، لذلك نجد تحت الأسرّة علباً نسي هو نفسه ما فيها، وفي العليّة أغراضاً لا يذكرها، وفي الخزانات ثياباً لم يلبسها منذ سنوات، ومع ذلك يبقيها لعلّ جسمه يعود الى سابق عهده فيرتديها، أو تعود هي على الموضة فيفتخر بها. ولا يستعمل أغراض بيته التي قد تتعرّض للتلف أو الكسر: فيخبّئ أواني الكريستال (ولو زائفة) ويقدّمها للضيوف وهو خائف عليها، ويستعمل أواني ربحها عندما عبّأ خزّان السيّارة بالوقود من محطّة البنزين التي يقصدها للحصول على مثل هذه الهدايا، ويميّز عند شرائه الحاجيّات بين ما هو للزائرين وما هو لأهل بيته، فيبتاح لهم أفخر انواع الفاكهة والخضار ويبقي له أرخصها وأسوأها. ويقول للبائع: أريد شيئاً جميلاً وثميناً لحمّام الضيوف، أو لغرفة الضيوف، أو لأنّ الضيوف قادمون الى العشاء. وهو الذي تجد عنده قطعة ملابس ذات ماركة عالميّة أهداه إيّاها قريب آت من السفر مع قطعة أخرى محليّة زهيدة اشتراها في موسم التنزيلات، ويدمن مشاهدة التلفزيون لأنّه يعجز عن تأمين كلفة رحلة سياحيّة، ويصف العالم كأنّه منه وفيه وله، ثم يفضح نفسه حين لا يجد موضوعاً للحديث سوى المقارنة ما بين المسلسلات المدبلجة المكسيكيّة والتركيّة. ويقيم حفلات الأعراس الباذخة، والمآتم الاستعراضيّة، وينتظر العروض على المأكولات في السوبر ماركت، ويسرع للاستفادة من كهرباء المولّد في الحيّ متى انقطعت كهرباء الدولة، ويقتني سيارة رباعيّة الدفع ولا يستخدمها توفيراً للبنزين، ويدفع بسخاء لنادل المطعم ويبخل على نفسه بمعاينة طبيب. أمّا أولاده فيتباهون بصورهم على الفايسبوك وهم يرتدون ثياباً أنيقة مستعارة أو بمشاهد من حفلات لم يحلموا بالمشاركة فيها أو من رحلات يريدون أن تثير الحسد والغيرة عند أصحابهم الإلكترونيّين الفقراء مثلهم. ولا أحسب أنّ ثرياً أصيلاً يعرض صورته وهو في أحد المطاعم أو يدخن السيكار أو يشرب الكحول أو يمارس رياضة مكلفة، أو يجد الوقت لتصفّح مواقع "الدردشة" المرتبطة على ما يبدو بـ"الدروشة".
كانت الطبقة المتوسّطة الحال صمّام أمان ومنبع ثقافة وفكر في المجتمع اللبنانيّ الذي صار اليوم موزّعاً ما بين أثرياء لا يبدو الثراء ثوباً فضفافاً عليهم لأنّه من طبيعة حياتهم ووجودهم، وهم في طور الانقراض، وفقراء يمثّلون ادوار الثراء وهم متسربلون بمظاهر حياتيّة دخيلة ومتطلّبة، يتعثّرون كلّ يوم فينقمون على الحياة لا على كسلهم وتضييع وقتهم في التقليد الغبي. أمّا الفقراء الحقيقيّون، فكرامتهم أغلى من أن يدّعوا ما ليسوا عليه لأنّهم غير معنيّين بآراء الآخرين بهم، وهم كالأثرياء الحقيقيّين متصالحون مع أنفسهم. في حين يغرق مدّعو الثراء وحديثو النعمة في معاناة من لا يشبع ولا يرتوي. ولا يمكن هؤلاء المزيّفين أن يقوموا بثورات اجتماعيّة أو تصحيحيّة أو تغييريّة كالتي نشهدها في العالم، لأنّ المثل اللبنانيّ يؤكّد أنّ: "الكسرة بإيد الشحاد غنيمة"، والمرحوم شوشو غنّى من زمان أنّنا كنّا وسنبقى: شحادين يا بلدنا! وما دمنا غير متّفقين على عدو واحد أو قضيّة وطنيّة واحدة، ونعتبر أنّ الاعتراض على ثمن الدواء وسعر صفيحة البنزين وربطة الخبز عيباً، فلن نُحدث إلاّ ثورة واحدة ننجح فيها بلا ريب، لكن في عالم... الأزياء.

الاثنين، 14 فبراير 2011

خلّونا نحضر "لونا"


نادين الراسي بطلة مسلسل "لونا"

في عزّ الأزمة الحكوميّة في لبنان، وبالتزامن مع الانتفاضات الشعبيّة والثورات الغاضبة التي تشهدها بعض البلدان العربيّة، بدأ المسلسل اللبنانيّ "لونا" على شاشة المحطّة اللبنانيّة للإرسال. وكان من طبيعة الأمور في بيتنا أن نواكب ما يجري على الساحتين اللبنانيّة والعربيّة، خصوصًا مع توالي المستجدّات السياسيّة التي كانت تفرض تأخير بعض الحلقات أو إلغاءها. فكانت والدتي التي تتابع المسلسل باهتمام تعترض وتقول معاتبة ولو أنّ أحدًا لن يأخذ برأيها: مش رح يخلّونا نحضر "لونا".
تشي العبارة الانفعاليّة العفويّة بتأثير الواقع العام على يوميّات حياتنا ولو في أبسط الأمور. ولكان الموضوع لا يستحقّ التوقّف عنده كونه من المسلّمات لولا أنّنا في بلد نبرمج حياتنا الخاصّة ولو في أسخف وجوهها على إيقاع ما يجري في السياسة، والأدهى أنّ ذلك ارتبط بتاريخنا كلّه، ولا يبدو أنّ هناك احتمالاً ولو ضئيلاً في الخلاص منه. ولا أظنّ أنّ مثل هذا يحصل في سائر البلدان، حتّى تلك التي لم تصل إلى أدنى مستويات الحضارة والتمدّن. فالسياسة عندنا تنعكس على الأمور الحياتيّة والخدمات والترفيه ما يجعلنا نخسر حقّنا الطبيعيّ في الاستفادة من الوقت، وفي الاستمتاع والترفيه والتسلية، كما في الجدّ والعمل والإنتاج.
وإذا كانت البلدان الأخرى تشهد على مراحل متباعدة تغيّرات معيّنة فنحن نعيش على إيقاع المستجدّات التي تفاجئنا كلّ يوم، وأحيانًا أكثر من مرّة في اليوم الواحد.
"مش رح يخلّونا نعيش" قصدت والدتي أن تقول، وما المسلسل الذي تتابع حلقاته سوى ألهية تنسيها خوفها على أولادها وأحفادها، ومحطّة نسيان بين صلوات تعترف فيها بعجزها عن حماية الذين تحبّهم من خطورة ما يجري فتطلب من السماء أن تقوم عنها بهذه المهمّة.

السبت، 12 فبراير 2011

تساؤلات بريئة من وحي العرب والثورة




أعترف بأنّني أجد صعوبة في فهم ما يجري على الساحة العربيّة (بالمعنى المجازيّ) وفي الساحات العربيّة (بالمعنى الحقيقيّ)، لذلك أجد نفسي منساقة إلى طرح تساؤلات تنبع من شكوك صارت من خلاياي وتعيق نموّ الحريّة في كياني وانفتاح شراييني لاستقبال دم جديد.
1- كيف يمكن أن تدعم إيران تحرّكات الشعب في مصر وتعتبر مطالبه محقّة ومشروعة وترفض تحرّكات الشعب في إيران وتتّهمه بالعمالة والتجسّس؟
2- كيف تكون الولايات المتحدة ضدّ إيران وإيران ضدّ الولايات المتحدة والدولتان ضدّ حسني مبارك؟
3- كيف صار حسني مبارك فجأة عدو الدول الأوروبيّة والأميركيّة؟ وكيف لم تنتبه هذه الدول قبل اليوم إلى الفساد في عهده الطويل؟
4- هل تعلّمت الولايات المتحدة أنّ الديمقراطيّة لا تأتي على فوهة المدفع كما حاولت أن تفرضها في العراق بل تنبع من نبض الشارع؟
5- ما تعريف "التدخّل الخارجيّ في شأن الدولة"؟ ومن هي الدول التي يحقّ لها أن تعطي رأيها ومن هي التي يُمنع عليها التدخّل في شؤون دولة ما؟ ومن يحدّد ذلك؟
6- كيف يكون الجيش ضامنًا لثورة شعبيّة ضدّ نظام رموزُه وقادتُه من الجيش نفسه؟
7- كيف يُطلب من الشعب أن يحيّد الإعلاميين والإعلام لا يحيّد نفسه عن اتّخاذ مواقف متطرّفة؟
8- ما الذي يجعل الصحافيّ بين ليلة وأخرى محلّلاً سياسيًّا وقانونيًّا وحلاّل مشاكل؟
9- هل الثورة المصريّة التي انتصرت فرعونيّة الهوى أم إسلاميّة الهويّة أم علمانيّة مدنيّة؟
10- من هو شاعر الثورة؟ الرهان على الفضائيّات ووسائل الاتصال لا يبقي للمستقبل إلاّ ذرات هواء تنقل الأهواء لا الأفكار. إن لم تتحوّل الثورة كلمة في كتاب ستبقى هائمة في الساحات.

الجمعة، 4 فبراير 2011

الفرس والأتراك وانتقام التاريخ


كنيسة بيت لحم في أصفهان - إيران


أيا صوفيا: الكنيسة المسجد





قبل الإسلام، كانت شبه الجزيرة العربيّة على خطوط تماس مع دولتين عظميين هما الأمبراطوريّة الفارسيّة الزرادشتيّة، والأمبراطوريّة البيزنطيّة المسيحيّة. ولو قال أحدهم عهد ذاك أنّ العرب الصاعدين من تلك الأرض القاحلة الجدباء سينتصرون على هاتين الأمبراطوريّتين لسخر منه الناس واتّهموه بالجنون، لكنّنا لا نستطيع في هذه العجالة التذكير بأسباب كثيرة كانت وراء هذا الانتصار في معركتي القادسيّة واليرموك يختلط فيها العامل الدينيّ بعوامل الاقتصاد والمصالح والفساد والاستعمار. غير أنّنا نذكّر بعشيّة ظهور الإسلام حين كان الفرس والبيزنطيّون يصلون بصراعاتهم إلى اليمن في أقصى الجنوب، حيث كانت الحبشة المسيحيّة تحاول في الوقت نفسه أن تجد لها موطئ قدم في منطقة عرفت مجدًا كبيرًا قبل أن ينهار سدّ مأرب ويهرب الناس نحو الشمال حيث بدأوا عهدًا جديدًا، وإن سمّته الديانة الإسلاميّة لاحقًا العصر الجاهليّ.
لا يمكننا تجاهل هذه الصورة التاريخيّة ونحن نراقب ما يجري اليوم على صعيد التقهقر العربيّ وعودة سطوع النجم الفارسيّ وإن صارت ديانته الإسلام الشيعيّ وانفتاح الباب العالي مشرعًا من تركيا وإن صارت الديانة هناك هي الإسلام السنيّ. ما يدلّ بشكل واضح على أنّ مصالح الدول ورغبتها في الاستعمار والاحتلال لا تتوقّف عند الموضوع الدينيّ وإن اتّخذته ذريعة، فها هي المنطقة نفسها تتعرّض لصراع إسلاميّ إسلاميّ بعدما كانت محطّ نزاع وثنيّ مسيحيّ. وإذا كانت الأهداف الاقتصاديّة عهدذاك متمثّلة بطريق الحرير والاتصال بالمحيط الهنديّ ومنه إلى آسيا، فالأهداف اليوم تتبدّى في الصراع على مصادر الطاقة وتأمين سوق للسلاح الذي يحتاج إليه المتصارعون، ثمّ تأمين الأرضيّة المناسبة لشركات تعيد بناء ما هدمه المتحاربون ما يضمن استمرار دورة الحركة الاقتصاديّة ويؤمّن مصالح الشعوب المنتصرة وحكومات الدول المشاركة.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذه القراءة هو عن التغيّرات التي لا بدّ أن تفرض نفسها على بنية المجتمعات العربيّة متى صارت أسيرة الصراع الحضاريّ بين الفرس والأتراك. خصوصًا مع تناقص أعداد المسيحيّين في هذه البقعة وتراجع دورهم الفاعل على مختلف الصعد. ولعلّ مشهدَي استقبال الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء التركي في لبنان يعبّران عن انتقام لا واعٍ ( أو ربّما واع جدًّا) للغة الفارسيّة التي أجبر أبناؤها على التنكّر لها أمام هيمنة اللغة العربيّة، وللغة التركيّة التي حاربها العرب واللبنانيّون بشكل خاص عهد الأتراك في ما عرف بمقاومة التتريك. فصراع هاتين الدولتين اليوم حضاريّ أكثر ممّا هو دينيّ، واقتصاديّ أكثر ممّا هو مذهبيّ، وهو ثأر من التاريخ عبر استعادة الجغرافيا، وتصحيح الماضي بواسطة التحكّم بالمستقبل. وقد كانت البداية مع المسلسلات المدبلجة، ففي وقت كان تلفزيون المنار التابع لحزب الله يستورد المسلسلات الدينيّة والتاريخيّة من إيران كانت الشاشات العربيّة الأخرى تستورد المسلسلات التركيّة.
تاريخ العرب موجود في شعرهم، لكن يبدو أنّ الإيقاع الموسيقيّ لهذا الشعر أكثر رسوخًا في الوجدان العربيّ من معاني الكلمات، وإلاّ لكان العرب أحسنوا قراءة متغيّرات الأزمنة وتبدّل التحالفات وعرفوا كيف يشاركون في لعبة الأمم وصراع الحضارات وكيف يحمون أنفسهم من دورة الحياة التي تضمن البقاء للأصلح. والعرب على ما صار محسومًا لم يعودوا كذلك.


الثلاثاء، 1 فبراير 2011

من ثورة الحجارة إلى الأرز إلى الياسمين





تتطلّب التحرّكات الشعبيّة التي تنتقل عدواها ما بين العواصم والمدن العربيّة قراءة نقديّة هادئة، بمعزل عن الانفعالات الحماسيّة التي تصلح للنقل التلفزيونيّ المباشر والرسائل القصيرة عبر التلفون أو الإنترنت وللمدوّنات التي تؤجّج الرغبة في النزول إلى الشارع، وذلك كي لا يوحي المرء لنفسه بتفاؤل في غير موقعه أو يخدع أجيالاً من الشباب تحلم بالتغيير. فلربّما ما يجري مجرّد حفلة تقاتل على السلطة أو على رغيف خبز يسدّ جوعاً آنيّاً لا ثورة حقيقيّة تهدف إلى الحريّة والعدالة والمساواة. لقد أغرقتنا الخيبات والهزائم في الشكّ المقيت وتسلّل الفساد إلى خلايانا، حتّى ما عدنا لنجرؤ على التصديق أنّ الشعوب العربيّة قادرة فعلاً على الثورة. ولعلّ أكثر ما يدفعنا إلى اتّخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر من الانسياق وراء حلم الحريّة هو غياب المثقّفين والمفكّرين عمّا يجري، ما يجبرنا على الاعتقاد بأنّ هذه التحرّكات لن تدخل التاريخ من بابه الواسع، لأنّها لن تحدث التجديد المطلوب في العقول والنفوس والنصوص.

من ثورة الحجارة في فلسطين إلى ثورة الأرز في لبنان إلى ثورة الياسمين في تونس، تسميات تصوّر الانتقال من الصخرة التي أحببنا أن نؤسّس عليها وطنًا لا تقوى عليه أبواب الجحيم، إلى الخشب الخالد الذي حاولنا أن نبني منه مؤسّسات لا ينخرها السوس، إلى الياسمين الرقيق الذي حلمنا أن نزيّن به بيوتاً غارقة في الدفء. ولعلّ التسمية الأكثر تعبيراً عن هذا الانفعال الذي لا يصلح للرهان عليه هو الغضب. يعيدني غضب الشارع العربيّ اليوم إلى المارد والصيّاد في حكايات ألف ليلة وليلة، فالمارد المحكوم عليه بالسجن في قمقم، قبع منتظراً وهو يعِد بتحقيق أمنيات من ينقذه. ولكن عندما طال الانتظار وامتدّ مئات السنين، سيطر الغضب على المارد المسجون حتّى وصل به الأمر إلى أن قرّر أن يميت شرّ ميتة من يخلّصه من عمق البحر وعتمة الأسر. لكنّ الصياد الذي وجد القمقم وواجه احتمال موته خدع المارد وأعاده إلى سجنه. فهل تكون نهاية الانتظار عند الشعوب العربيّة هذا الغضب الذي يعمي البصيرة ويعيد من يتذوّق طعم الحريّة إلى كهوف الكبت والذلّ؟ الثورة تأكل أبناءها بحسب معطيات التاريخ. لكنّ التقاتل ما بين أبناء الوطن يأكل الجميع، ونحن على ما يتراءى لنا نواجه احتمالات الحروب الأهليّة، إذ تنعدم الرؤية تحت دخان الإطارات المشتعلة، ويختفي صوت المنطق تحت ضجيج التكسير والتحطيم، وتتفتّت الثورة المنتظرة تحت أقدام الغاضبين الذين لا يملكون رؤيا واضحة لما يريدون تحقيقه بعدما يزول حكم من يريدون إقصاءه. ولا تزال المشاهد المعبّرة عن إسقاط رموز النظام في العراق وفي بلاد أخرى، ماثلة في الأذهان، وكلّنا شاهد على أنّ ما جرى بعدها ليس أقلّ عنفًا وفوضى.
إن تشبيه الثورات بتفجّر المياه التي لا نعلم متى تنبثق من الأرض ولا كيف تشقّ طريقها ما بين الصخور صحيح. غير أنّ المياه المتفجّرة التي لا تجد سدودًا تحفظها لمواسم القحط والجفاف، أو قنوات تقودها إلى الأرض المزروعة العطشى تذهب إلى البحر أو تغور في الأرض أو تُغرق الناس. لهذا من حقّنا أن نتساءل: ألن تتحوّل الشوارع الثائرة بؤراً للنزاعات الضيّقة متى تخلّصت من رموز الفساد؟ وهل النظام الإصلاحيّ البديل جاهز للتطبيق متى رحل الحكّام الطغاة أم ستنتظر البلاد المستفيقة من عزّ نومها أشهراً وسنوات قبل إيجاد البدائل، ما يتركها ساحة واسعة للأصوليّة والتعصّب والفوضى؟ وهل تملك الشعوب العربيّة الوعي الكافي كي لا تتحوّل "الثورة" التي يفتخر الناس بها صراعات طائفيّة ومذهبيّة وحزبيّة وطبقيّة؟ ألا يمكن، في غياب أهل الوعي والعلم والمعرفة والفكر المستنير، أن يتحوّل الشعب قطيعاً هائجاً يسرع نحو الجرف وهو مطمئنّ إلى أنّه يهرب من الخطر؟
أراقب المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام من تونس ومصر ولبنان والجزائر وفلسطين والأردن واليمن وأحاول أن أرى الرابط المتين الذي يجمع ما بين هؤلاء الناس الغاضبين فلا أجد سوى خيط واه يشدّهم إلى حلم التغيير من دون أن يمتلكوا وسائل تمتين الخيط أو تحقيق الحلم. قد يقول قائل: أن تأتي الثورة متأخّرة خير من ألاّ تأتي أبداً، وأن تتفجّر المياه ويذهب أكثرها هدراً أفضل من الموت عطشاً. لكنّ الخوف، كلّ الخوف، هو أن نكتشف لحظة بعد لحظة أنّنا نلهث خلف وهْم ثورة وسراب ماء، وعند ذلك لن يكون أمامنا إلاّ الاختباء خجلاً في قمقم مختوم بختم اللعنة التي أنزلتها بنا السماء التي كفرنا بنعمها والتمنّي ألاّ يجدنا أحد... هذا إن بقي بيننا من يشعر ويخجل!
***
صحيفة النهار - 1 شباط 2011



مشاركة مميزة

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل - 5 تشرين الأوّل 1993

فتاة تدخل ومعها تفاصيل حين نهتمّ بها، حياتنا أجمل حضرة الأستاذ زاهي وهبي في الرّسالة الأولى، أردت أن ألفت انتباهك إلى بعض الأم...

من أنا

صورتي
الريحانيّة, بعبدا, Lebanon
صدر لي عن دار مختارات: لأنّك أحيانًا لا تكون (2004)، رسائل العبور (2005)، الموارنة مرّوا من هنا (2008)، نساء بلا أسماء (2008)- وعن دار سائر المشرق: كلّ الحقّ ع فرنسا (رواية -2011- نالت جائزة حنّا واكيم) - أحببتك فصرت الرسولة (شعر- 2012) - ترجمة رواية "قاديشا" لاسكندر نجّار عن الفرنسيّة (2012) - ترجمة رواية "جمهوريّة الفلّاحين" لرمزي سلامة عن الفرنسيّة (2012) - رواية "للجبل عندنا خمسة فصول" (2014) - مستشارة تربويّة في مدرسة الحكمة هاي سكول لشؤون قسم اللغة العربيّة.